لبنان 2015... صمود التحالفات إقليمياً وتخلخُل معسكري الانقسام محلياً

01 يناير 2016
الحراك المدني كسر الانقسام (حسين بيضون)
+ الخط -
ظلت التحالفات/الانقسامات اللبنانية شبه ثابتة لسنوات عشر منذ العام 2005 بين معسكرَي 8 و14 آذار، أي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في فبراير/شباط في ذلك العام، وما تلاه من تداعيات أبرزها خروج الجيش السوري من لبنان في 26 أبريل/نيسان من العام عينه. هو الجيش الذي كان قد دخل تحت اسم "قوات الردع العربية" وبشكل "شرعي ومؤقت" عام 1976.

يُعدّ فريق 8 آذار حليف النظامين الإيراني والسوري، ومن أهم قواه حزب الله وحركة أمل (بزعامة الرئيس نبيه بري) والتيار الوطني الحر (برئاسة النائب ميشال عون)، وتيار المردة برئاسة النائب سليمان فرنجية. وقد ساند هذا الفريق النظام السوري في معركة قمع الثورة السورية، اذ أرسل حزب الله المئات من مقاتليه ليشاركوا في عدد من المعارك، وأبرزها معارك القلمون، ومنها معركة القصير ومعركة يبرود ومعركة الزبداني. كما شارك الحزب في معارك الجنوب السوري في درعا والقنيطرة، ومعارك حلب وإدلب وريفيهما. وقد خسر حزب الله مئات المقاتلين في هذه المعارك.

لم يقتصر دعم هذا الفريق للمحور الإقليمي (يضم النظام السوري وإيران والعراق) على الشق العسكري، بل قدّم أطرافه الدعم السياسي والإعلامي عبر الترويج لنظرية "تحالف الأقليات" أو "حماية الأقليات". وقد شارك التيار الوطني الحر وحزب الله بشكل أساسي في هذه المعركة. كما شارك حزب الله، لا بل أدّى الأمين العام للحزب حسن نصرالله، الدور الرئيسي في المواجهة الإيرانية ـ السعودية المفتوحة، في اليمن والعراق وسورية.

تصرّف نصرالله في الأشهر الأولى التي تلت الانقلاب الحوثي وبداية عاصفة الحزم، وكأنه المتحدث الرسمي باسم الحوثيين والنظام الإيراني، لا بل قدّم مراراً مطالعات للدفاع عن ايران ونظامها، معتبراً أنها تُمثّل المصالح العربية والقضية الفلسطينية أكثر من العرب أنفسهم. وجاء تلوين خارطة فلسطين بألوان العلم الإيراني، ليُشكّل أكثر أوجه هذا الدفاع وضوحاً.

اقرأ أيضاً: سباق الطاقة بالمنطقة يضغط على لبنان لتطوير قطاع الغاز

كما شنّ نصرالله أشرس المواجهات الكلامية مع السعودية، والتي ختمها مع حزب الله باستبدال شعار "الموت لأميركا" بشعار "الموت لآل سعود"، وحمّلها مسؤولية الحرب في سورية و"دعم الإرهاب"، كما ردّد في عدد من الخطابات.

وقد ردّت السعودية على هذا الأمر بإدراج حزب الله ضمن اللائحة السعودية للمنظمات الإرهابية، كما سمّت عدداً من المسؤولين السياسيين والعسكريين في الحزب، ومقرّبين منه على لائحة الإرهاب، وقد تقاطعت اللائحة السعودية مع الأميركية. وعبّرت لائحة الإرهاب السعودية عن "تورّط" حزب الله في معارك المنطقة من اليمن إلى العراق وسورية. وكان لافتاً أن نصرالله قال في أحد خطاباته هذا العام، إن طريق القدس تمرّ في الزبداني والحسكة وذكر عددا من المدن السورية. وفي كلامه هذا، يؤكّد نصرالله ترابط الساحات، أو كسر الحدود، كما فعل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

في المقابل، يقود تيار المستقبل (برئاسة سعد الحريري) فريق 14 آذار، الذي يضمّ أيضاً حزب القوات اللبنانية (برئاسة سمير جعجع)، الذي جرى استقباله في دول خليجية عدة كـ"رئيس دولة"، وحزب الكتائب (برئاسة النائب سامي الجميل)، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات المستقلّة والأحزاب الصغيرة. بدوره، يصرّ النائب وليد جنبلاط، على أنه وسطي بين الفريقين، لكن في الواقع، فإن جنبلاط يلتزم ما لا "يزعج" حزب الله في الملف الداخلي اللبناني، لكنه يصرّ على معاداة النظام السوري، ويبدو أقرب إلى السعودية وحلفائها في الملفات الإقليمية.

حافظ هذا الانقسام اللبناني على شكله طوال السنوات العشر، لا بل إن البعض في الإعلام اللبناني جنح لتسمية المحاور الإقليمية باسمي 8 و14 آذار. خلقت عاصفة الحزم بلبلة داخل حلف 8 آذار، وأدت حسابات السلطة الداخلية وتقاسمها، إلى خلافات بين الفريقين. ذلك لأن معظم ما يُسمى "سنّة 8 آذار"، اتخذوا موقفاً داعماً للسعودية في معركة اليمن، أو التزموا الصمت. وهو ما تُرجم لاحقاً بزيارات لبعض الشخصيات السنّية في 8 آذار إلى السعودية، ما أوحى بأن حزب الله تُرك وحيداً في معركته مع السعودية.

وعلى الرغم من حدة انقسام حزب الله وتيار المستقبل في الملفات الإقليمية، فإن الطرفين عقدا عشرات جلسات الحوار التي هدفت إلى تخفيف الاحتقان المذهبي السني ــ الشيعي، وقدّم هذا الحوار غطاءً للأجهزة الأمنية في مواجهة "الإرهاب"، في ظلّ تعطيل الحكومة نتيجة الانقسام السياسي.

وفي ظلّ الانقسام السياسي، بدأت سلسلة من التظاهرات تحت عنوان "الحراك المدني"، في أغسطس/آب الماضي، على خلفية فشل السلطة في لبنان، في سحب النفايات من الشوارع منذ منتصف يوليو/تموز الماضي. وقد أدت هذه التظاهرات ورد فعل السلطة العنيف تجاهها، إلى إعادة تشكيل السلطة في البلد، وضرب صيغة انقسام 8 و14 آذار، خصوصاً أن القيّمين الأساسيين في السلطة، أيقنوا أن استمرار الانقسام في هذا الموضوع وفشل انتخاب رئيس للجمهورية منذ مايو/أيار 2014، وتعطيل الحكومة ومجلس النواب (الذي مدّد ولايته)، ستؤدي إلى تزايد النقمة الشعبية. على هذا الأساس دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسات حوار وطني، على رأس أولوياتها الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية. وفي الشهر الأخير من هذا العام، تُرجم ضرب هذا الانقسام عبر ترشيح سعد الحريري ووليد جنبلاط لأحد "صقور 8 آذار"، سليمان فرنجية لتولي رئاسة الجمهورية.

جاءت هذه الخطوة لتُكرّس تفكيك انقسام/تحالف 8 و14 آذار الداخلي بالشكل الذي برز مع اغتيال الحريري، وتحطّم مع تظاهرات الحراك المدني. إن ترشيح فرنجية، الذي لم يصل إلى لحظة الانتخاب على الرغم من تأييد العديد من القوى المحلية والإقليمية والدولية له، أوجد أزمة ثقة كبيرة بين الحريري وجعجع، وهما القياديان الأبرز في قوى 14 آذار. كذلك ترك ترشيح فرنجية آثاراً سلبية على علاقات عدد من مكونات 8 آذار في ما بينها، خصوصاً فرنجية وعون، مع ضرورة الإشارة إلى توتر العلاقة تقليدياً بين عون وبري.

لكن هذه الخلافات داخل التحالفات، اقتصرت على البعد المحلي، ولم تنعكس على علاقات وارتباطات هذه القوى بالإقليم، ففرنجية لا يزال من أقرب الحلفاء للنظام السوري، وهو الذي تربطه علاقة صداقة مع بشار الأسد، بينما لا يزال جعجع على علاقة جيدة مع السعودية، التي تتعامل معه كأنه الحليف المسيحي الأبرز لها.

غير أنه في العمق، لا تزال العملية السياسية في لبنان شبه معطلة منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في مايو/أيار 2014، إذ فشلت القوى السياسية في انتخاب رئيس جديد، وفي إجراء انتخابات نيابية، فتم تمديد ولاية المجلس النيابي الذي انتُخب عام 2009، ولاية كاملة (على دفعتين) بعد إطاحة انتخابات عام 2013. كما تعاني الحكومة من خلافات حادة تمنعها من القيام بالحد الأدنى المطلوب منها، في ظل تهديد متكرر من رئيسها تمام سلام بالاستقالة.

وكل هذه المؤشرات، تؤكد أن الانقسام الداخلي اللبناني هو صورة للانقسام في المنطقة، والحلّ اللبناني ينتظر نضوج التسوية الإقليمية، خصوصاً أن المحاولات المحليّة التي أعقبت التظاهرات في شوارع بيروت، إن على شكل الحوار الذي دعا إليه بري أو تسوية انتخابات الرئاسة الأولى، والتي كان عرّاباها الحريري وجنبلاط، فشلتا في فصل لبنان عن أزمات المحيط، وهو الذي يُعاني من وجود أكثر من مليون و200 ألف لاجئ على أراضيه، إلى جانب أزماته الاقتصادية والأمنية والسياسيّة.

اقرأ أيضاً: مخاوف لبنانية من تسرب الفساد إلى اكتشافات الغاز

المساهمون