لبنان وهذه التحديات

05 يناير 2020
+ الخط -
فاجأ حدث اغتيال قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، قرب مطار بغداد العالم بتوقيته وظروفه وكيفيته، وترك أسئلة وتساؤلات كثيرة، سواء لناحية الأسباب، أو لناحية التداعيات والردّ الإيراني. وبكل تأكيد، ما بعد اغتيال سليماني لن يكون كما قبله، فالمنطقة دخلت مرحلة جديدة من المواجهة الأميركية الإيرانية، والوسائل التي يمكن أن تستخدم في هذه المواجهة أو مسرحها قد يكون خارج التوقعات، لأن الخطوط الحمر عند الطرفين، أقلّه في المرحلة الحالية، سقطت، وبالتالي قد يكون أي شيء متوقعاً، أو أن ما يمكن أن يجري قد يكون خارج التوقعات. 
ملفات المنطقة مترابطة، لأن الفاعلين الأساسيين في بعض مناطقها هم ذاتهم. وبالتالي قد تكون المواجهة المرتقبة، بغض النظر عن كيفيتها، في أية بقعة في المنطقة. وقد أشار إلى ذلك بيان مجلس الأمن القومي الإيراني، كما أشار إليه قائد لواء القدس المعيّن، عندما قال إن جثث الأميركيين سترسل إلى الولايات المتحدة من كل المنطقة. وبالطبع، لبنان إحدى هذه الساحات التي تتشابك فيها القوى المؤثرة والمتصارعة، فإيران لها حليف أساسي يتحكّم بشكل كبير بالمشهد اللبناني، هو حزب الله، فضلاً عن أن الحزب على تماسّ مباشر، عبر الحدود اللبنانية، مع أبرز وأهم حليف لواشنطن في المنطقة، إسرائيل. ولطالما هدّد المسؤولون الإيرانيون باستهداف إسرائيل انطلاقاً من لبنان في أية مواجهة؛ وكذلك فعل حزب الله على الدوام، إذ أكّد استهداف المواقع الاستراتيجية الإسرائيلية في أية مواجهة مقبلة. وقد قال أمينه العام حسن نصرالله، سابقا، بشكل صريح وواضح، إن أي استهداف لإيران من إسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية سيدفع الحزب إلى فتح الجبهة الجنوبية مع الجيش الإسرائيلي.
في مقابل ذلك، تعمل الولايات المتحدة، منذ فترة، على محاصرة حزب الله سياسياً واقتصادياً؛ فقد وضعته على قوائم الإرهاب، وهو ما فعلته ألمانيا أخيرا، وكذلك فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية على بعض شخصياته ورموزه وكياناته، وحتى على شخصيات مقرّبة منه. وفرضت على الحكومة اللبنانية نمطاً معيناً من التعامل المالي، عبر المصارف، مع حزب الله في إطار محاصرته ومحاسبته، والحدّ من نفوذه في البلد، ولعلّ الولايات المتحدة وجدت في انتفاضة اللبنانيين أخيرا على الفساد والهدر والحالة الاقتصادية مطيّة جيدة لفرض مزيد من الحصار على حزب الله، وهو ما رأى فيه الحزب مؤامرةً عليه، ومحاولة لإقصائه. هي إذاً بنظره كانت مواجهةً من نوع مختلف.
بات لبنان اليوم أمام هذا التحدّي بعد انتقال المواجهة الإيرانية الأميركية إلى الشكل المباشر،
 خصوصا إذا ما ردّت إيران على اغتيال سليماني بشكل مباشر من خلال وحدات الحرس الثوري الإيراني، سواء من خلال الأراضي الإيرانية أو أراض أخرى؛ أو حتى لو كان الردّ من خلال حلفاء إيران في المنطقة.
عقّب حسن نصر الله على اغتيال سليماني بحديث عن القصاص العادل، وقال إن العراقيين سيقومون بالواجب، وربما تكون هذه إشارة إلى أن الحزب سيكون، في هذه المرحلة، في منأى عن المواجهة المباشرة. ومن المفيد في هذا السياق الإشارة إلى أن الحزب نفى نفياً قاطعاً أن يكون من بين القتلى الذين سقطوا مع سليماني لبنانيون، بعد أن جرى حديث عن مقتل قيادي لبناني في الغارة. ودعت الخارجية اللبنانية، في بيان إدانتها عملية الاغتيال ضمناً، إلى تجنيب لبنان مزيد من الأثمان في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية الحادّة التي يمرّ بها. ومعلوم أن وزير الخارجية اللبنانية، جبران باسيل، ورئيس الجمهورية، ميشال عون، هما من أبرز حلفاء حزب الله في الداخل اللبناني، ما يعكس رغبة لبنانية في عدم توريط البلد في أية أزمة جديدة.
هو تحدِّ جديد أمام القيادة اللبنانية، خصوصا رئاسة الجمهورية، لتجنيب لبنان أية مواجهة مفتوحة وكبرى بين المتصارعين في هذه المرحلة، تحوّل لبنان إلى ساحة تدفع مزيدا من الأثمان، إلاّ أنّه ليس عادياً في ظل الظروف القائمة.
ليس بالضرورة أن تجنّب هذه المواقف أو تلك لبنان أن يكون ساحة للمواجهات المقبلة. قد تجنّبه ذلك مرحلياً أو جزئياً، أمّا إذا ما خرجت الأمور إلى مزيد من التطورات الميدانية، فسيكون لبنان ساحة وجزءاً من التطورات الميدانية، بغض النظر عن الموقف الرسمي أو السياسي، لأن المسألة، في نظر حزب الله، وكما أكّد مسؤولوه في أحيان كثيرة، هي حرب مفتوحة عليهم من واشنطن و"إسرائيل". وبالتالي من حقهم أن يستخدموا في المواجهة كل الوسائل المتاحة والممكنة، وبغض النظر عن الأثمان أو أي شيء آخر. وهنا سيكون لبنان ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات التي ربما تضاعف من أزماته، وتنقله إلى مرحلة فوضى عارمة تعيد خلط كل الأوراق أمام الجميع.