هدأت موجة التفاؤل بنجاح التسوية الرئاسية التي يقودها زعيم تيار المستقبل في لبنان، رئيس الحكومة الأسبق، سعد الحريري، بإيصال حليف حزب الله، رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون إلى الرئاسة. كشف الحريري في الاجتماع الأخير مع كتلة المستقبل النيابية نتائج مشاوراته الداخلية والخارجية، ليتضّح للجميع أنّ طريق عون إلى قصر بعبدا الرئاسي لا تزال متعثّرة نتيجة معارضة أطياف سياسية رئيسية له. لكنّ ذلك لم يمنع الحريري من التأكيد على استمراره في هذا المسعى علّه ينهي الشغور المستمر منذ مايو/ أيار 2014. وقد دفع موقف الحريري عدداً من النواب "المتشددين" في "المستقبل" بوجه عون، إلى إحياء رفضهم هذه التسوية واستعدادهم للتصويت لأي مرشح آخر أو حتى مقاطعة جلسة الانتخاب. في حين وضع نواب آخرون، أقلّ تشدداً، خيار التصويت بالورقة البيضاء حتى لا يُسجَّل على الكتلة وأعضائها تعطيل الانتخاب من باب المقاطعة أو كسر إرادة الحريري وإظهاره في موقع تنظيمي وسياسي ضعيف باعتباره عاجزاً عن ضبط خيارات نواب كتلته. فالحريري ماضٍ في هذا الخيار ليحقّق، عن قصد أو من دونه، مجموعة من النقاط في سلّة خصومه في فريق 8 آذار وحلفاء النظام السوري، وتحديداً حزب الله، وذلك من خلال:
أولاً، نجح الحريري في نقل السجال الفعلي إلى داخل تحالف خصومه، بين عون ورئيس البرلمان نبيه بري، وبين عون ومرشّح الحريري الأول للرئاسة النائب سليمان فرنجية. وهو ما يدفع حزب الله والمسؤولين فيه إلى سكوت تام في الملف الرئاسي. ثانياً، أثبت الحريري من خلال انفتاحه على إمكانية القبول بعون أنّ المعطّل الفعلي للانتخابات الرئاسية هو حزب الله، ولو أنّ الأمر معروف بالنسبة لكثيرين، بدليل مقاطعة الحزب ومعه عون جلسات الانتخاب وضربهم للنصاب القانوني لانتخاب الرئيس (الثلثان لانعقاد الجلسة). إلا أنّ خيار الحريري جاء ليكرّس عدم رغبة حزب الله في ملء الشغور في ظلّ الظروف الإقليمية الراهنة، وهو ما سبق للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أن أوحى به قبل أسبوعين من خلال إشارته في أحد الاجتماعات الداخلية في الحزب بقوله إنّ "الكلمة هي للميدان"، لافتاً إلى الوضع في سورية وبالتالي إلى محيط سورية وتحديداً لبنان. ثالثاً، تمكّن الحريري من خلال أزمة الشغور الرئاسي من ضرب الشعار القائل إنّ "الطائفة السنّية هي من تخطف حقوق المسيحيين" في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف الذي سلب صلاحيات أساسية من رئاسة الجمهورية (الموقع المسيحي الأول) ومنحها لرئيس الحكومة (الموقع السنّي الأول) ومجلس الوزراء. فيظهر اليوم أنّ الحريري مستعدّ للمضي في إيصال عون للرئاسة بتفاهم وتحالف تام مع القوة المسيحية الثانية، حزب القوات اللبنانية، برئاسة سمير جعجع، في حين يأتي التعطيل من المكوّنات المذهبية الأخرى، تحديداً بري ومن خلفه حزب الله. وما يظهر اليوم في تجديد الخطاب العوني المتمثّل بتأكيده على متانة علاقة عون بالطائفة السنّية التي يمثلها الحريري، ونبذ "حملات التشويه" التي كانت تتعرّض لها هذه العلاقة، إضافة إلى اعتراف عون بحجم تمثيل الحريري شعبياً وسياسياً وبرلمانياً. ويأتي هذا التجديد في الموقف العوني في إطار محاولات التقرّب من "المستقبل" وتطمينه "ولو أنه ليس خفياً على الرئيس الحريري أنّ هذه التحوّلات العونية مجرّد تغليف كلامي في إطار طموح عون للرئاسة"، بحسب ما يقول أحد نواب التيار لـ"العربي الجديد".
اقــرأ أيضاً
إلا أنّ فريق "المستقبل" يعوّل أيضاً على التحوّل في الخطاب العوني لقطف بعض الانتصارات السياسية السريعة، منها إعادة الحياة إلى حكومة الرئيس تمام سلام والتي شارك في جلستها الأخيرة أحد وزراء التكتل العوني (إلياس أبو صعب)، أو حتى أيضاً من خلال السماح بتمرير جلسة تشريعية في وقت قريب في ظلّ مقاطعة عون ومعه "القوات اللبنانية" وحزب الكتائب، لاعتبار القوى المسيحية أنّ البرلمان ليس إلا هيئة ناخبة وغير مشرّعة في ظلّ استمرار الشغور الرئاسي.
ومن المقرر أن يترأس بري، يوم الإثنين المقبل، جلسة لهيئة مكتب البرلمان لتحديد جدول أعمال الجلسات التشريعية المفترض أن يدعو إليها بري نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الحالي بفعل بدء العقد العادي للبرلمان بعد أسبوع. وإذا كان الثلاثي المسيحي ينوي التأكيد على أولوية انتخاب الرئيس، فاتحاً أبواب المجلس فقط أمام إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، فإنّ "المستقبل" وبري ومعهم النائب وليد جنبلاط سيحاولون تمرير مجموعة من البنود المالية الملحّة المتعلّقة بالهبات ورواتب الموظفين وغيرها. وتعويل هذه الأطراف على "طموح عون الرئاسي" قد يكون ناجحاً، إذ بإمكانهم إقناع المرشّح الرئاسي بتمرير هذه البنود حفاظاً على حظوظه الرئاسية، ليحققوا بذلك مكسباً إضافياً.
لا يعرف نواب من كتلة المستقبل النيابية ما إذا كان يعرف الحريري حقيقة هذه الخلاصات الثلاث وما ينتج عنها من انتصارات معنوية وسياسية. ويقول أحد أعضاء الكتلة لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحريري ماضٍ في مشاوراته حتى النهاية"، فإذا تمكّن من اجتراح خلطة عجيبة للتسوية، يكون في المقابل قد سار في خطّ التفاهم والجلوس مجدداً مع حزب الله على الطاولة الدستورية نفسها، على الرغم من تلقّيه العديد من الضربات القاتلة بتراكماتها في العقد الأخير، خصوصاً في اجتياح الحزب لبيروت ومحيطها في أحداث مايو/ أيار 2008، ومن بعدها الانقلاب على حكومة الحريري عام 2011، والتكبيل الحاصل اليوم للمؤسسات الدستورية. لكن حتى الآن، يبدو أنّ الحريري قد أمسك بالمفتاح العوني، ومن خلال الوعود بالوصول إلى رئاسة الجمهورية يمكن تحقيق الكثير من المطالب.
اقــرأ أيضاً
إلا أنّ فريق "المستقبل" يعوّل أيضاً على التحوّل في الخطاب العوني لقطف بعض الانتصارات السياسية السريعة، منها إعادة الحياة إلى حكومة الرئيس تمام سلام والتي شارك في جلستها الأخيرة أحد وزراء التكتل العوني (إلياس أبو صعب)، أو حتى أيضاً من خلال السماح بتمرير جلسة تشريعية في وقت قريب في ظلّ مقاطعة عون ومعه "القوات اللبنانية" وحزب الكتائب، لاعتبار القوى المسيحية أنّ البرلمان ليس إلا هيئة ناخبة وغير مشرّعة في ظلّ استمرار الشغور الرئاسي.
ومن المقرر أن يترأس بري، يوم الإثنين المقبل، جلسة لهيئة مكتب البرلمان لتحديد جدول أعمال الجلسات التشريعية المفترض أن يدعو إليها بري نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الحالي بفعل بدء العقد العادي للبرلمان بعد أسبوع. وإذا كان الثلاثي المسيحي ينوي التأكيد على أولوية انتخاب الرئيس، فاتحاً أبواب المجلس فقط أمام إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، فإنّ "المستقبل" وبري ومعهم النائب وليد جنبلاط سيحاولون تمرير مجموعة من البنود المالية الملحّة المتعلّقة بالهبات ورواتب الموظفين وغيرها. وتعويل هذه الأطراف على "طموح عون الرئاسي" قد يكون ناجحاً، إذ بإمكانهم إقناع المرشّح الرئاسي بتمرير هذه البنود حفاظاً على حظوظه الرئاسية، ليحققوا بذلك مكسباً إضافياً.