04 أكتوبر 2024
لبنان.. ما بعد استقالة الحريري
فاجأ رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، الوسط السياسي والإعلامي في لبنان والخارج بتقديم استقالته من رئاسة الحكومة يوم السبت (4/11/2017). لم يكن أحد يتوقّع أن تجري الأمور بهذا السياق، وربما خارج الصندوق. كل الأجواء التي سبقت لم تكن توحي بالاستقالة. كان الرجل قبل يوم واحد في افتتاح مؤتمر برعايته يتحدث عن قرصنة على أعمال حكومته وإنجازاتها. كان يؤكد على الاستقرار العام والسياسي في البلد. كان يدأب في حركة مكوكية بين الأطراف، لتذليل العقبات التي تعترض بعض المسائل الحكومية. رفض الحديث عن إحباط لبناني عام، ووسط المسلمين السنّة الذين ينتمي إليهم الحريري، ويمثلهم في السلطة بشكل خاص، وردّ بذلك على بعض نوابه في كتلته ممن أثار مسألة الإحباط في الشارع في أثناء جلسة مناقشة الحكومة قبل أسابيع. زار السعودية قبل تقديم استقالته بأيام، وعاد منها يؤكد على الاستقرار، بل ويعد بمستقبل أفضل للبنان. فجأة، ومن دون سابق إنذار أو تحذير، أطل الحريري من الرياض عبر شاشة فضائية عربية، وقدّم استقالته، ثم اتصل برئيس الجمهورية يعلمه بالاستقالة. وأرفق ذلك ببيان كان أشبه بإعلان حربٍ على حزب الله وعلى إيران ودورهما في لبنان، متوعداً بقطع اليد التي تمتد إلى لبنان، وتريد الهيمنة عليه.
هناك أسباب داخلية وأخرى خارجية للاستقالة. على المستوى الداخلي، استطاع الحريري أن ينهي حالة الفراغ في سدة الرئاسة الأولى بانتخاب ميشال عون، رئيساً للجمهورية، من خلال تسوية وصفقة مع الأخير وتياره ابتداءً، ومع حزب الله ضمناً. من عناصرها أن يعود العمل إلى مؤسسات الدولة ضمن الصلاحيات التي يمنحها الدستور لكل مؤسسة، وأن تضفي التسوية نوعاً من التوازن بين المكوّنات اللبنانية على المستوى الطائفي، فلا يشعر أي مكوّن بالاستهداف، وبالتالي يصاب بالإحباط، وأن ترسي التسوية أيضاً نوعاً من التوازن بين القوى السياسية، ويبدأ حل الأزمات التي يعاني منها البلد تباعاً. وفضلاً عن ذلك كله، أن ينأى لبنان بنفسه عن الصراعات الإقليمية والمحاور القائمة في المنطقة، وأن يتم العمل على سحب حزب الله من سورية. ثم لم يتم تحقيق أي تقدم في أي من هذه العناصر. شعر الحريري أن رهانه على قيام الدولة، وعلى فك الارتباط بين ميشال عون وحزب الله لم يحصل، وشعر أكثر من ذلك أنه قدّم تنازلاتٍ كثيرة أفقدته الكثير من شعبيته في شارعه الذي عاد الحريري واعترف أنه أصيب بالإحباط، ولكن من دون أن يحقق الحريري أي شيء، حتى أن شارعه بات يتهمه بمجاراة رئيس الجمهورية وحزب الله وتضييع حقوق المسلمين السنّة من دون أي فائدة. وهذه المعطيات الداخلية كفيلة بالطبع بأن يقدم الحريري على خطوة الاستقالة، التي جاءت، في الوقت نفسه، غير متوقعة.
على المستوى الخارجي، فقد تابعنا منذ فترة ليست قليلة تغريدات وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، وهو يتهدد حزب الله ويتوعده، ويخيّر لبنان بأن يكون بين محور من اثنين، "العربي، أو الفارسي"، كما دعا في إحدى تغريداته إلى إخراج حزب الله من الحكومة. والواضح أنها كنت حملة سعودية مبرمجة للضغط على لبنان، وعلى الحكومة، وعلى سعد الحريري تحديداً، لأخذ موقف من حزب الله وإيران. وإذا تذكّرنا الحملة الأميركية على إيران وحزب الله أيضاَ، والعقوبات الأميركية ضدهما، وإعادة نبش التاريخ والحديث الأميركي عن تفجير مقر المارينز في بيروت في أغسطس/ آب 1983 (قتل فيه 63 أميركيا)، وغيرها من المواقف، أدركنا أيضاً حجم الضغط الخارجي الذي مورس على الحريري، ودفعه إلى تقديم استقالته من الرياض في السعودية، وليس من بيروت في لبنان.
الآن، ماذا بعد استقالة الحريري؟ واضح أن كتاب الاستقالة بهذه الطريقة والتوقيت والمكان هو بمثابة إعلان حرب على حزب الله وإيران في لبنان بضغط سعودي، وربما أميركي. وبالطبع، ذلك يعني أن الخطوة ستليها خطوة أخرى أو ربما خطوات. إذ لو بقيت معزولة، وبهذه الحدود، فإن حزب الله لن يتأثر أبداً على الاطلاق، سيمضي عندها رئيس الجمهورية بإجراء استشارات نيباية ملزمة وفقاً لما يقرّره الدستور، وسيكلّف شخصية سنّية أخرى تشكيل الحكومة، وستمضي الأمور بشكل عادي مع أزمةٍ بكل تأكيد. ولكن الجميع في لبنان ينتظر الخطوة التالية وطبيعتها، للبناء على الشيء مقتضاه. وما من أحدٍ يستطيع أن يقدّر طبيعة هذه الخطوة، طالما أن العمل يجري خارج إطار القواعد المتعارف عليها، وخارج الصندوق، وقد تفاوتت الاحتمالات بين شنّ حربٍ على حزب الله بتحالف دولي تقوده السعودية، إلى سيناريو تخريب الوضع الداخلي اللبناني وإرباك حزب الله به، مروراً بالاحتمالات السياسية والاقتصادية وغيرها.
لبنان اليوم أمام أزمة سياسية ليست سهلة أو بسيطة، ومن غير السهل حلّها من خلال
المؤسسات الدستورية. يحتاج الحل إلى تسوية جديدة، بعيداً عن الأثمان المرتفعة، وهذه لا بدّ أن يدفع بعضها رئيس الجمهورية، من خلال إعادة الانتظام إلى عمل المؤسسات، وفق الصلاحيات التي قرّرها الدستور لكل مؤسسة، فرئيس الجمهورية في دستور الطائف حَكَم وليس حاكماً. مجلس الوزراء مجتمعاً هو الحاكم. وحزب الله يجب أن يقدّم تنازلاً من أجل الاتفاق على التسوية الجديدة، ولكن حجم هذا التنازل وحدوده لا أدري كيف يكون وأين. حل الأزمة سياسياً رهن بقناعة رئيس الجمهورية وحزب الله بأن هناك خطوة تالية للاستقالة، وكلفتها كبيرة. أما إذا شعرا بأنه لا خطوات تالية، وأن الأمر مجرد زوبعة في فنجان، فإن الحريري يكون قد دفع الثمن، وخرج من البلد من دون القدرة على العودة إليه.
هناك أسباب داخلية وأخرى خارجية للاستقالة. على المستوى الداخلي، استطاع الحريري أن ينهي حالة الفراغ في سدة الرئاسة الأولى بانتخاب ميشال عون، رئيساً للجمهورية، من خلال تسوية وصفقة مع الأخير وتياره ابتداءً، ومع حزب الله ضمناً. من عناصرها أن يعود العمل إلى مؤسسات الدولة ضمن الصلاحيات التي يمنحها الدستور لكل مؤسسة، وأن تضفي التسوية نوعاً من التوازن بين المكوّنات اللبنانية على المستوى الطائفي، فلا يشعر أي مكوّن بالاستهداف، وبالتالي يصاب بالإحباط، وأن ترسي التسوية أيضاً نوعاً من التوازن بين القوى السياسية، ويبدأ حل الأزمات التي يعاني منها البلد تباعاً. وفضلاً عن ذلك كله، أن ينأى لبنان بنفسه عن الصراعات الإقليمية والمحاور القائمة في المنطقة، وأن يتم العمل على سحب حزب الله من سورية. ثم لم يتم تحقيق أي تقدم في أي من هذه العناصر. شعر الحريري أن رهانه على قيام الدولة، وعلى فك الارتباط بين ميشال عون وحزب الله لم يحصل، وشعر أكثر من ذلك أنه قدّم تنازلاتٍ كثيرة أفقدته الكثير من شعبيته في شارعه الذي عاد الحريري واعترف أنه أصيب بالإحباط، ولكن من دون أن يحقق الحريري أي شيء، حتى أن شارعه بات يتهمه بمجاراة رئيس الجمهورية وحزب الله وتضييع حقوق المسلمين السنّة من دون أي فائدة. وهذه المعطيات الداخلية كفيلة بالطبع بأن يقدم الحريري على خطوة الاستقالة، التي جاءت، في الوقت نفسه، غير متوقعة.
على المستوى الخارجي، فقد تابعنا منذ فترة ليست قليلة تغريدات وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، وهو يتهدد حزب الله ويتوعده، ويخيّر لبنان بأن يكون بين محور من اثنين، "العربي، أو الفارسي"، كما دعا في إحدى تغريداته إلى إخراج حزب الله من الحكومة. والواضح أنها كنت حملة سعودية مبرمجة للضغط على لبنان، وعلى الحكومة، وعلى سعد الحريري تحديداً، لأخذ موقف من حزب الله وإيران. وإذا تذكّرنا الحملة الأميركية على إيران وحزب الله أيضاَ، والعقوبات الأميركية ضدهما، وإعادة نبش التاريخ والحديث الأميركي عن تفجير مقر المارينز في بيروت في أغسطس/ آب 1983 (قتل فيه 63 أميركيا)، وغيرها من المواقف، أدركنا أيضاً حجم الضغط الخارجي الذي مورس على الحريري، ودفعه إلى تقديم استقالته من الرياض في السعودية، وليس من بيروت في لبنان.
الآن، ماذا بعد استقالة الحريري؟ واضح أن كتاب الاستقالة بهذه الطريقة والتوقيت والمكان هو بمثابة إعلان حرب على حزب الله وإيران في لبنان بضغط سعودي، وربما أميركي. وبالطبع، ذلك يعني أن الخطوة ستليها خطوة أخرى أو ربما خطوات. إذ لو بقيت معزولة، وبهذه الحدود، فإن حزب الله لن يتأثر أبداً على الاطلاق، سيمضي عندها رئيس الجمهورية بإجراء استشارات نيباية ملزمة وفقاً لما يقرّره الدستور، وسيكلّف شخصية سنّية أخرى تشكيل الحكومة، وستمضي الأمور بشكل عادي مع أزمةٍ بكل تأكيد. ولكن الجميع في لبنان ينتظر الخطوة التالية وطبيعتها، للبناء على الشيء مقتضاه. وما من أحدٍ يستطيع أن يقدّر طبيعة هذه الخطوة، طالما أن العمل يجري خارج إطار القواعد المتعارف عليها، وخارج الصندوق، وقد تفاوتت الاحتمالات بين شنّ حربٍ على حزب الله بتحالف دولي تقوده السعودية، إلى سيناريو تخريب الوضع الداخلي اللبناني وإرباك حزب الله به، مروراً بالاحتمالات السياسية والاقتصادية وغيرها.
لبنان اليوم أمام أزمة سياسية ليست سهلة أو بسيطة، ومن غير السهل حلّها من خلال