لبنان: قوة أمنية في "عين الحلوة" نواة لـ"جيش تحرير"

07 يوليو 2014
على القوة الأمنية تسليم المتهمين للدولة (محمود الزيات/Getty)
+ الخط -

يدور الحديث بين أزقة أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، "عين الحلوة" شرقي صيدا في جنوب لبنان، حول إجراءات الجيش اللبناني المشددة على مداخل المخيم، ثم ينتقل سريعاً حول من سيرفع كأس العالم في كرة القدم. ويخوض شباب المخيم جدالات كبيرة حول "تألق ميسي" و"غياب نيمار"، تستمر حتى انتهاء السحور. ومع وصول كأس العالم إلى مراحله الحاسمة، يصل الوضع الأمني في المخيم إلى مرحلة حاسمة أيضاً مع انتشار "القوة الأمنية المشتركة" في المخيم، غداً الثلاثاء.

تنتشر القوة الأمنية في مخيم عين الحلوة بعد أن توفر لها الغطاء الكافي سياسياً وأمنياً. وسيعمل عناصرها الـ 150 في محورين أساسيين: الأول ضبط الأمن وتنظيم المرور وحراسة المقار الرئيسية، الثاني التنسيق مع أجهزة الدولة اللبنانية في كل شاردة وواردة.

ليس غريباً انتشار القوة الأمنية التي تشارك فيها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وقوى التحالف الفلسطيني، فالضغط الخارجي كبير هذه المرة. ومع أن الأمن يبقى مطلباً شعبياً داخلياً، وهو ما يظهر من خلال التظاهرات العديدة الرافضة للانفلات الأمني، إلا أن تشكيل نواة أمنية كان بقرارٍ لبناني في المقام الأول.

لقد تأجل انتشار القوة أكثر من مرة، وخصوصاً بعد الاشتباك الأخير في مخيم المية ومية، أخيراً، عندما هاجم عناصر من جماعة "أنصار الله" (مقربون من حزب الله) بقيادة جمال سليمان، مقراً لـ"كتائب العودة" فقتلوا ثمانية، في مقدمتهم قائد الكتائب أحمد رشيد عدوان (مقرب من القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان)، وذلك في أبريل/نيسان الماضي. وبما أن سليمان كان قد وقّع على ورقة التفاهم الفلسطينية في 23 مارس/آذار الماضي، التي تؤكد على الأمن وعدم الاقتتال، كان لا بد من مراجعة مشاركته في القوة الأمنية من قبل باقي الفصائل. وأعادت القوى الإسلامية في المخيم مراجعة موقفها من المشاركة في القوة، على خلفية طبيعة عملها، وأماكن انتشارها ومن يقودها. اتفقت الفصائل مجتمعة على تكليف العميد "الفتحاوي الإسلامي"، خالد الشايب، قائداً للقوة. ويعتبر الشايب مسؤولاً في "فتح"، لكن ميوله إسلامية، وهو مقرب من قادة القوة الإسلامية في المخيم. وتعهدت "فتح" بدفع 75 في المائة من تكاليف القوة الأمنية (150 ألف دولار) على أن تدفع "قوى التحالف الفلسطيني" بقية المبلغ.

وكان خلافٌ قد طرأ سابقاً لجهة تشكيل القوة، وكيف سيتم دمج العناصر الإسلامية بالعناصر الوطنية، وخصوصاً أن فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ستشارك بالنصف مقابل القوى الإسلامية (حماس، الجهاد، عصبة الأنصار، أنصار الله، الحركة الإسلامية المجاهدة...). ومنعاً للاحتكاك، ارتأى مسؤولو الفريقين بأن يتسلم كل فريق مربعه الأمني، فتستلم القوى الإسلامية الشارع الفوقاني، الذي يشهد أكثر عمليات الاغتيال ويعتبر معقلاً للإسلاميين.

وعند انتشار القوة الأمنية، سيصبح لزاماً عليها تسليم أي متهم للسلطة اللبنانية ومداهمة أي بيت يطلق منه نار. وهنا تبدأ المخاوف. فالمخيم في غالبيته مسلح، ومن سيقبل باعتقاله إن اتهم بأمر ما؟ وهذا يرجح فرضية أن تبدأ الهجمات ضد مراكز القوة الأمنية وعناصرها، أو تكثر الاغتيالات والاشتباكات، ما يضع القائمين عليها في حيرة وضعف.

في المقابل، يراهن مسؤولون لبنانيون وفلسطينيون على نجاح القوة الأمنية في عين الحلوة، لتكرارها في المخيمات الـ 12 الأخرى في لبنان، لكن بصيغة أخرى. ما يتناقل في الأروقة الأمنية الضيقة، يؤكد أن هناك مشروعاً يقضي بتشكيل "جيش تحرير فلسطيني" في لبنان، على غرار ما هو موجود في سورية ومصر والأردن. وسيكون عبارة عن "لواء" من عناصر وضباط فلسطينيين داخل الجيش اللبناني، مهمته حفظ الأمن في المخيمات، وربما دورات "فتح" العسكرية في مخيم الرشيدية تصب في هذا الاتجاه. إذ حط قبل أيام مسؤول ملف لبنان في حركة "فتح" عزام الأحمد، ليُخرج دورة عسكرية في مخيم الرشيدية خاصة بعناصر الحركة. دَرَّب وفد مختص من رام الله 100 عنصر فتحاوي، لكن المصادر تؤكد أن هذه الدفعة ليس لها علاقة بالقوة الأمنية!

وقد دعا عزام الأحمد، خلال زيارته الأخيرة، السلطة اللبنانية للدخول إلى المخيمات وتحديداً عين الحلوة، لتتولى إدارته أمنياً وسياسياً. وهو ما شكّل إحراجاً للطرف اللبناني. إذ يعرف الأحمد، أن الجيش ممنوع من دخول المخيمات، وهذا الأمر يحتاج إلى قرار دولي والأهم قرار من "حزب الله"، والأطراف "الشيعية" أو المحسوبة على الحزب في الدولة. لذلك، طلب المسؤول الفلسطيني الغطاء الأمني القضائي بعد السياسي لعناصر القوة الأمنية في المخيم، وكان له ما أراد. سيكون أي عنصر في القوة قادراً على أن يطلق النار ويقتل بأمر قائده.

ويعتبر عناصر القوة وضباطها مثل منتسبي قوى الأمن اللبناني والجيش الرسمي، ولن يلاحقوا قضائياً كما كان يحصل مع "الكفاح المسلح" سابقاً.

وتأتي هذه القوة مع تغييرات على الساحة الفلسطينية، إذ اجتمع قبل فترة ممثلو الفصائل الوطنية والإسلامية (الإرهابية بنظر الحكومة اللبنانية) مع المدير العام للأمن العام اللبناني عباس إبراهيم. وكان "الأمر" اللبناني واضحاً: "اضبطوا المخيمات، وإلا". تنسيق "الإسلاميين" مع من كان يلاحقهم سابقاً، يؤكد أن الأمور تتغير ولا بد من الإمساك بمخيمات لبنان. فكيف أصبحت "عصبة الأنصار"، بزعامة الشيخ أبو محجن (مختفٍ منذ عام 1998 ومتهم بقتل أربعة قضاة لبنانيين)، معتدلة، ويجالس قادتها مدير الاستخبارات اللبنانية في الجنوب علي شحرور، ويشربون القهوة مع إبراهيم. وما الذي يجعل أمير "الحركة الإسلامية المجاهدة" الشيخ جمال خطاب، وسيطاً مهماً بين "حزب الله" وإسلاميي لبنان. وتزداد أهمية التنسيق مع إسلاميي عين الحلوة بعد إعلان تنظيم "داعش" دولة الخلافة، والتخوف من مبايعة البعض في عين الحلوة لـ"داعش" ما قد يُدخل المخيم في أزمة.

فرضت تغيرات المنطقة أسهماً مرتفعة للقوى الإسلامية في عين الحلوة ودفعت السلطة الفلسطينية إلى الحوار مع جميع الأطراف، على الرغم من أن مسلسل الاغتيالات المضادة لا يتوقف في المخيم.

ومما لا شك فيه، أن القوة الأمنية ستواجه حالياً ضغوطاً كبيرة، وخصوصاً أن العدد قليل، وهو 150 عنصراً في بقعة مساحتها كيلومتر مربع واحد، ويسكنها 85 ألف لاجئ فلسطيني، أُضيف إليهم 15 ألفاً من لاجئي سورية.

تحديات كثيرة أمام القوة الأمنية، عليها أن تجتازها، لتفوز باحترام الشارع الفلسطيني والجوار اللبناني، ومن ثم تتحول إلى "جيش تحرير" في كل مخيمات لبنان.