لبنان في نيويورك: غياب الخطّة وانعدام الانسجام بتركيبة الوفد

29 سبتمبر 2015
سلام يلقي كلمته في قمة التنمية المستدامة(تيموثي كلاري/فرانس برس)
+ الخط -
أعلن رئيس الحكومة اللبنانيّة تمام سلام من نيويورك أن انعكاس اللجوء السوري على لبنان "كان مدمراً على التنمية والحركة الاقتصادية والتقدم الاجتماعي والبيئة، مما استنزف قدرات مؤسساتنا الوطنية في مجال الرعاية الصحية والتعليم والطاقة والمياه والصرف الصحي والأمن، وهذا الأمر أعاق عملية التنمية، حتى إنه شكل تهديداً بتراجعها، مما انعكس دراماتيكياً على اقتصادنا بتكلفة بلغت نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي".

جاء موقف سلام هذا في قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في نيويورك، وأضاف أن رد الفعل الدولي على "أزمة بهذا الحجم، لم يكن بالمستوى المطلوب"، محدداً حاجات لبنان في هذا المجال، بـ "المساعدة الإنمائية وتقاسم عبء تمويل استضافة اللاجئين".

يصف مصدر وزاري لبناني كلام سلام بـ "الجميل، لكنه لا يتجاوز حدود الإنشاء". يتحفّظ المصدر الوزاري على ذكر اسمه، ويشير إلى مجموعة من الأخطاء التي وقع فيها سلام في رحلته الأميركيّة، والتي خُصصت للمشاركة في ثلاثة من أحداث مهمّة: قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والجمعيّة العامة للأمم المتحدة (التي يُفترض أن يُشارك فيها رئيس الجمهوريّة)، واجتماع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان.

ويلفت المصدر الوزاري إلى أن سلام يرأس وفداً لبنانياً غير متخصص للمشاركة في هذه الاجتماعات. فالوفد اللبناني لا يضم وزراء الشؤون الاجتماعية والصحة والعمل والاقتصاد والمال، وهي الوزارات المعنيّة مباشرة بهذه الاجتماعات، إن لجهة ملف اللاجئين أو فيما يخص قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. واقتصر الوفد المشارك على وزير الخارجية جبران باسيل وممثل لبنان لدى الصندوق الائتماني للدول المانحة شادي كرم، إضافة إلى عدد من المستشارين والدبلوماسيين في وزارة الخارجية، وفريق إعلامي كبير.

لكن المشكلة بحسب المصدر الوزاري لا تقتصر على طبيعة الوفد، بل تتعداه إلى غياب الخطة اللبنانيّة فيما يخص إدارة ملف اللاجئين وحاجة الاقتصاد والحكومة اللبنانية لاستيعاب اللاجئين. ففي أكتوبر/تشرين الأول من 2014 أقرت الحكومة "ورقة سياسة النزوح السوري الى لبنان" (Policy Paper)، والتي نصّت على تقليص عدد اللاجئين عبر "وقف النزوح على الحدود باستثناء الحالات الإنسانية الاستثنائية"، وتشجيع اللاجئين على العودة إلى بلادهم، والتشدد في تطبيق القوانين اللبنانية على اللاجئين السوريين "لحماية اللبنانيين في مجالات العمل والعمالة كافة"، إضافة إلى العمل على تحقيق التوازن بالمساعدات بين اللاجئين والمجتمع المضيف، و"تأمين التمويل المباشر لمؤسسات الدولة اللبنانية عبر الصندوق الائتماني المتعدد المانحين MDTF وعبر برامج خاصة ترغب بها أي جهة مانحة، بالاتفاق مع الإدارة اللبنانية المعنية حسب الأصول".

اقرأ أيضاً: حراك دبلوماسي غربي في لبنان: إيواء اللاجئين ومنع تهريبهم

كانت يُفترض لهذه الخطة أن تكون مدخلاً لعمل متكامل فيما يخص ملف اللاجئين، وهو ما لم يحصل. جلّ ما حصل، بحسب مصادر لبنانيّة، وأخرى عاملة في مجال الإغاثة، هو إقفال الحدود، وهو ما أدى إلى تراجع عدد اللاجئين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة من مليون ومائة وخمسة وثمانين ألف لاجئ، وهو أعلى رقم وصل إليه عدد اللاجئين، إلى مليون ومائة وثلاثة عشر ألف لاجئ، وهو آخر رقم مسجّل لدى المفوضية. كما تم تشديد وزارة العمل في إجراءات الحصول على إقامة عمل للمواطنين السوريين، وتجديد الإقامات لدى الأمن العام.
ويؤكّد المصدر الوزاري أن الحكومة لم تناقش أي خطة خلال الأشهر الماضية، "ولم نتلقَ أي دراسات حول تداعيات الأزمة على الاقتصاد اللبناني والبنى التحتية، وما هو المطلوب لمواجهة ذلك، ونحن نستند إلى دراسة البنك الدولي (حول انعكاسات الأزمة السورية على لبنان، والصادرة في سبتمبر/أيلول من العام 2013)". ويُضيف المصدر أن ما تقوم به الحكومة اللبنانيّة هو عمليّة "تكهّن" لا أكثر، "وهذا الأمر تكرر مراراً".

إذاً، سيشارك لبنان، في اجتماع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان بدون رؤية جدية لحاجاته، بل استناداً إلى ما تجد الهيئات الدوليّة أنه مناسب للبنان. ومن يُتابع الشروط الجديدة التي تفرضها الجهات المانحة في للجمعيات العاملة في مجال اللاجئين السوريين، يجد أنه من الشروط الأساسيّة للتمويل العمل لتعزيز "الاستقرار الاجتماعي"، وهو ما يعني بحسب عاملين في هذا المجال، دمج اللاجئين في المجتمعات المحليّة، وهو ما يمكن ترجمته إقرارا بأن اللجوء السوري في لبنان سيستمر لسنوات طويلة. ويرتبط هذا التمويل بالعمل الغربي على منع حصول موجة لجوء من لبنان إلى أوروبا، وهو ما عبر عنه مفوض شؤون التوسيع في الاتحاد الأوروبي يوهانس هان بالقول إن "الموجة الكبرى المقبلة" من المهاجرين غير الشرعيين الى أوروبا قد تنطلق من لبنان.

ومن الملاحظات التي يُقدمها المصدر الوزاري على زيارة سلام، هو الاختلاف الكبير بين خطاب رئيس الحكومة ووزير الخارجيّة، "ففي حين أعلن سلام أن عدد اللاجئين هو مليون ومئتي ألف، وهو رقم قريب لرقم المفوضيّة، كرر باسيل مراراً أن عدد اللاجئين في لبنان يصل إلى مليون ونصف مليون لاجئ، ثم عاد سلام وتبنى رقم المليون ونصف بعد لقائه رئيس الوزراء النروجي". ويلفت المصدر، إلى أن هذا المثل، يأتي للدلالة على الفارق في الخطاب بين باسيل وسلام. ويلفت إلى أنه بينما يُعلن سلام عن ضرورة "احترام حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة"، يقول باسيل في اليوم التالي عن قانون منح المرأة اللبنانية جنسيتها الى عائلتها إن "هذا الأمر مرتبط بإرادة سياسية، والخوف من منح الجنسية مرده الى وجود عدد كبير من اللبنانيات المتزوجات من فلسطينيين، مما ينذر بخلل في التوازن بين المسلم والمسيحي في لبنان إذا أقر القانون".

يرى المصدر الوزاري أن ما يجري في نيويورك هو الترجمة العمليّة لفشل الحكومة اللبنانيّة في إدارة شؤونها، "وما ترداد باسيل مراراً "نحن كمسيحيين" إلا مثل واضح لهذا الأمر، فهو يتحدث كرئيس حزب لا كوزير خارجية لبنان. الأكيد أننا لم نناقش ما يقوله على طاولة مجلس الوزراء".


اقرأ أيضاً: الدبلوماسية اللبنانية: تراجع إلى داخل حدود الوطن

المساهمون