يفتح التيار الوطني الحرّ في لبنان، بزعامة النائب ميشال عون، أبواب الشارع أمام الأزمة السياسية المستمرة في البلد. بعدما أفرغ الانقسام السياسي قصر رئاسة الجمهورية (منذ مايو/ أيار 2014) وعطّل جلسات مجلس النواب، يهدّد تصعيد عون مستقبل الحكومة، أو آخر المؤسسات السياسية العاملة. ينوي هذا التيار النزول إلى الشارع بالتزامن مع جلسة الحكومة، اليوم الخميس، ليقطع الطرقات في ما يُعرف بـ"بيروت الشرقية" أو المناطق ذات الغالبية المسيحية في العاصمة. يطالب عون بحسم ملف التعيينات الأمنية، وتعيين زوج ابنته، قائد فوج المغاوير في الجيش اللبناني، العميد شامل روكز، قائداً للجيش. ولو أنّ ولاية القائد الحالي، العماد جان قهوجي، تنتهي في سبتمبر/ أيلول المقبل، فيرفض تكتل التغيير والإصلاح (كتلة عون النيابية والوزارية) مناقشة أو إقرار أي بند على جدول أعمال الحكومة قبل بتّ ملف روكز.
اقرأ أيضاً: اجتماع الحكومة اللبنانية ينهي التعطيل... وعون يهدد بـ"التفجير"
يشارك عون في مجلس النواب ويعطّل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية مدعوماً من كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله)، ويحتجّ في الوقت عينه على عدم انتخاب الرئيس وضرب الموقع المسيحي الأول. يعتبر عون أنّ مجلس النواب غير شرعي (باعتباره مدّد لنفسه مرّتين، عامي 2013 و2014، حتى يونيو/ حزيران 2017)، ولا يقدم على خطوة الاستقالة من هذا المجلس انسجاماً مع قناعته. حتى أنّ "الجنرال" (لقب عون منذ كان قائداً للجيش اللبناني)، لم يطالب وزارة الداخلية بإجراء الانتخابات الفرعية في قضاء جزين (جنوبي لبنان)، لملء المقعد الشاغر بوفاة عضو تكتله ميشال حلو. فمن شأن دعوة مماثلة إحراج من في السلطة، بحيث أنّ إجراء الانتخابات الفرعية، مقدمة للمطالبة الجدية بإجراء الانتخابات النيابة العامة بدل التمديد. إلا أنّ "الجنرال" لم يفعل هذا الأمر وهو مستمرّ في تعطيل حتى الجلسات التشريعية، باعتباره أنّ أولوية البرلمان هي انتخاب رئيس للجمهورية.
اليوم، يحشد عون جمهوره في الشارع لقطع الطرقات احتجاجاً على جلسة الحكومة التي يشارك فيها وحلفاؤه، في حين بإمكانه تكريس موقفه من خلال اعتكاف وزاري أو حتى تعليق مشاركة وربما من خلال تصعيد واضح بالتلويح بالاستقالة منها. بدل كل هذا، تشير أوساط التيار الوطني الحرّ، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "التحرك الذي يتم التحضر له يبدأ وينتهي بالتزامن مع جلسة الحكومة"، مضيفة أنّ "الهدف الرئيس من هذا الحراك نقل مطالب التيار، وهي مطالب جميع القوى المسيحية أساساً، إلى الشارع بهدف وضع الحد للانتهاكات الحاصلة لدور الطائفة ومواقعها في الدولة". مع تأكيد مصادر نيابية عونية، لـ"العربي الجديد"، على أنّ "التحرك في الشارع قرار قد اتّخذ سابقاً وسيكون منحاه تصاعدياً وتراكمياً"، أي أنّ العونيين وضعوا أنفسهم في أجواء التحضير لفترة غير قصيرة من التصعيد في شوارع العاصمة. وقبل ساعات من هذه الجلسة المقررة صباح الخميس، دعت هيئات تنظيمية داخل التيار إلى تسيير مواكب سيّارة في مختلف المناطق دعماً لعون وتحضيراً للاعتصامات المنوي تنفيذها خلال جلسة الحكومة.
اقرأ أيضاً: الفرزلي لـ "العربي الجديد": سنستعين بالعالم لاستعادة حقوقنا
وبينما يصرّ عون على خطوة الشارع، تبدو الأوساط الحليفة له متضامنة معه لكن غير فاعلة من حيث مساعدته على إقفال الطرقات في مناطق نفوذها. إلا أنّ إشارات غير رسمية صدرت عن حزب الله تمثّلت بقطع عشرات الشبان من بيئة الحزب لطريق رئيسية على أحد مداخل بيروت، ليل الثلاثاء ـ الأربعاء، احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي الخاضع لسياسة التقنين والمقطوع أساساً عن مناطق لبنانية كثيرة.
يضع البعض هذا التحرك في إطار دعم شكلي من قبل الحزب لعون، أو وضعه في هذه الخانة. أما سياسياً، فتشير مصادر رئيس الحكومة، تمام سلام، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "اللقاء الذي جمع سلام بوزير حزب الله، محمد فنيش، أمس الأربعاء، حمل تأكدياً من قبل الطرفين على التعامل بهدوء مع الأزمة الحكومية وإبعاد الحدّة عن الأجواء". مع تشديد هذه المصادر على أنّ "فنيش لم يطلب من سلام عدم إقرار أي بند خلال الجلسة"، وهو الشرط الأول لعون التي تقول مصادره النيابية إنّ "حزب الله يعمل على وساطة بين التيار وسلام، لكن حتى الساعة لا نتيجة ولا حلّ، فقط الكثير من الكلام". وبالتالي فإنّ دعم حزب الله السياسي لعون يقتصر على تغطية نزول الأخير لقطع الطرقات فقط، لكنه مستمرّ في منح الحكومة الثقة والحياة من خلال عدم إسقاطها لا من داخلها ولا في الشارع. أمر أكده فنيش بعد لقائه سلام، إذ قال إن "دعمنا للتيار الوطني الحر ليس له حدود ولا شيء تغيّر في ذلك ونحن متمسكون بالحكومة وعملها وحريصون عليها لأننا نعتبرها دستورية في ظل هذا الشغور وهي ضمانة لتوازنات البلد ونحن معنيون بتجنيب البلد اي تصادم".
اقرأ أيضاً: لبنان: جرحى باشتباك بين مناصري حزب الله وتيار المستقبل
وتشير أوساط في قوى 8 آذار، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "تمسّك حزب الله بالحكومة نابع من قناعة قيادته بأنّ بديل الحكومة هو انتقال الحرب من المنطقة إلى لبنان، ووضع المزيد من الضغوط على الجميع وأولهم حزب الله". إلا أنّ هذا الكلام تتم ترجمته عكسياً في الشوارع، من خلال التوترات والاشتباكات التي تشهدها مناطق حزب الله أو مناطق النفوذ المشترك بين الحزب وتيار المستقبل، وكان أبرزها المعركة التي حصلت في السعديات (ساحل الشوف على مدخل بيروت الجنوبي). حتى أنّ عودة الحزب إلى تحريك وتهيئة سرايا المقاومة (المليشيات المناطقية التي يدعمها الحزب والتي سبق ان اجتاحت بيروت في مايو/ أيار 2008)، له أيضاً المعنى المعاكس أيضاً، ويثبت أن رغبة حزب الله هي في المحافظة على الاستقرار مع الإمساك بورقة الضغط في الشارع في الوقت نفسه. فيكون بذلك عون وتحركه الشعبي إحدى هذه الأوراق التي يسحبها الحزب اليوم.