لبنان: تفجيرات انتحاريّة بالجملة بسيناريوهات عدّة

28 يونيو 2016
وضعت الأجهزة الأمنية سلسلة احتمالات لأهداف الانتحاريين(محمد الشامي/الأناضول)
+ الخط -
لم يتأخر الاستهداف الأمني، الذي كان يتخوف من حدوثه على الأراضي اللبنانية من قبل المسؤولين والأجهزة الأمنية وبعض السفارات الغربية. جاء الاعتداء من بلدة القاع، إحدى بوابات الحدود الشرقية مع سورية في البقاع. فجْرَ يوم أمس، الإثنين، أقدم أربعة انتحاريين على تفجير أنفسهم في القاع، بشكل متلاحق وبفاصل زمني يقلّ عن عشر دقائق بين التفجير والآخر، فأوقعوا خمسة قتلى على الأقل، و15 جريحاً حال اثنين منهم غير مستقرّة.
وبحسب ما أشارت التقارير الأمنية الأولية، فإنّ الانتحاريين دخلوا البلدة عبر أحد الطرق الزراعية وصولاً إلى ما يبعد تقريباً مائة متر عن مركز الجمارك اللبنانية، على أحد المعابر مع سورية، التي تؤدي إلى قرى جوسة وربلة وغيرها، وصولاً إلى حمص.

ولا تبعد القاع (قضاء بعلبك) إلا عشرة كيلومترات عن الحدود السورية في حال سلوك الطريق الدولي بين البلدين، في حين أن جرود البلدة على تماس مباشر مع الأراضي السورية، ومكان التفجير يبعد عن تلك الحدود أقل من خمسة كيلومترات، وخمسة كيلومترات أخرى مع جرود رأس بعلبك ومن بعدها عرسال، حيث تتحصّن بعض المجموعات السورية منذ أن بدأ حزب الله علناً حربه في سورية بدءاً من القصير (حمص، 2013) ووصولاً إلى منطقة القلمون الغربي (2014 - 2015).


وبعيداً عن تلك النقطة القريبة من المركز الأمني اللبناني، حيث تجمّعات للجمارك وقوى الأمن الداخلي وبعض النقاط المنتشرة للجيش اللبناني، تمت التفجيرات المتلاحقة بعدما تم كشف خليّة الانتحاريين عن طريق الصدفة، وبنتيجة تلاسن تمّ بين عناصرها وأحد المواطنين الذي صودف أنه استفاق على حركة ما بالقرب من منزله. فوقعت تلك "المجزرة الصغيرة" التي حصدت ضحايا معظمهم من المدنيين أو المسعفين الطبيين بطريقة تصاعدية، مجنّبة بذلك بحسب التحقيقات الأمنية الأولية "وقوع مجزرة فعلية لو نجح الانتحاريون في الوصول إلى المكان الذي كان مخططاً استهدافه"، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" أحد الضباط الأمنيين.


وتشير التحقيقات الأولية إلى أنّ التفجيرات التي وقعت في القاع "تمّت نتيجة اضطرار الانتحاريين إلى تفجير أنفسهم، بعد تبادل لإطلاق النار تمّ بينهم وبين أحد المواطنين"، في حين يتابع المحققون محاولة كشف الأهداف التي يسعى إليها الانتحاريون.
وفي هذا الإطار، وضعت الأجهزة الأمنية سلسلة احتمالات وسيناريوهات أبرزها: أولاً، أن يكون الهدف الرئيسي للعملية الوصول إلى نقطة الجمارك وتجمّع النقاط العسكرية.
ثانياً، أن يكون الهدف استهداف تحركات آليات الجيش اللبناني والشاحنات، التي تنقل عناصره بشكل يومي إلى النقاط العسكرية المنتشرة في القاع ومحيطها. ثالثاً، أن تكون البلدة مجرّد نقطة عبور أو تجمّع لخلية الانتحاريين لتنفيذ اعتداء في مكان آخر. وما قد يعزّز فرضية السيناريو الأخير أنّ زنة الأحزمة الناسفة، التي كان يرتديها الانتحاريون، بحسب تقديرات الخبراء العسكريين، تبلغ كيلوغرامين فقط من المواد المتفجرة والكرات الحديدية، الأمر الذي يرجّح أن تكون هذه الأحزمة دفاعية، يلبسها عادة عناصر التنظيمات المتشددة لدى تنقلاتهم من مكان لآخر، فيلجؤون إلى تفجيرها لدى كشفهم أو محاصرتهم.

وبانتظار صدور نتائج التحقيقات كاملة، أدخل التفجير الانتحاري الرباعي لبنان في مرحلة جديدة من الأحداث الأمنية وخطورتها. ويكشف هذا الاعتداء عن أنّ المجموعات المتشدّدة قادرة على اختراق الساحة اللبنانية وبطريقة منظّمة، عبر خلايا وأفراد، وتحديداً لجهة كون "الهجوم" نفذه أربعة انتحاريين دفعة واحدة، تماماً كما هي اعتداءات المجموعات المتشدّدة في العراق مثلاً، ما يوحي بأن تلك الحرفية بتنفيذ الاعتداءات المماثلة قد وصلت على ما يبدو إلى لبنان، مع العلم بأنّ تهديدات الجماعات المتشددة لم تتوقف يوماً، وكذلك تحذيرات المسؤولين اللبنانيين وأجواء بعض السفارات.

يذكر أنه منذ مطلع يونيو/حزيران الجاري، أجمع الأمنيون اللبنانيون على وجود معلومات لديهم تشير إلى نشاط مجموعات متشددة، وعلى وجود مؤشرات تدلّ على احتمال وقوع أحداث أمنية من هذا النوع. كما انضمّت بعض السفارات الغربية إلى إبداء مخاوفها، وأعرب عدد منها عن خشيته من اقتراب موعد تنفيذ هجمات في الداخل اللبناني. فتم تحديد بعض النقاط المحتملة لهذه الهجمات، منها أحياء الحمرا والجميزة ومار مخايل في بيروت، وهي جميعها أحياء سياحية واقتصادية. لكن اللافت في هذا الخصوص، أيضاً، أنّ القلق الغربي واللبناني الرسمي كان من استهداف البيئة المسيحية (الجميزة ومار مخايل ذات الأغلبية المسيحية)، لكن الاعتداء تمّ في القاع وهي بالمناسبة بلدة مسيحية بالكامل، باستثناء بعض السكان الذين يعيشون فيها منذ عقود.

وبالإمكان القول إنّ القاع يمكن أن تمثّل جغرافياً واجتماعياً، خاصرة ضعيفة على الحدود مع سورية، لكونها بعيدةً عن سيطرة حزب الله العسكرية (الحزب ينتشر في محيط القاع والقرى المحسوبة عليه)، فأرادت الجهة المهاجمة إيصال الرسائل الأمنية من خلال تلك الخاصرة الضعيفة. كما أنّ استهداف البلدة بهذا الشكل، يعني تهديد الثكنات العسكرية والمواقع الأمنية الموجودة فيها، مع العلم بأنه سبق لوحدات الجيش أن وقعت في كمين مسلّح في جرود القاع أواخر ديسمبر/كانون الأول 2014 أدى إلى سقوط 7 قتلى من الجيش اللبناني. يشار أخيراً إلى أنّ القاع تعرّضت لمجزرة نفّذها الجيش السوري، عام 1978، سقط ضحيتها 26 مواطناً بعد مهاجمة القوات السورية البلدة لدعم أهلها حزب الكتائب والقوات اللبنانية.