لبنان بعلبكي: الموسيقى ملجأ الناس في زمن الأزمات

31 اغسطس 2020
بعلبكي: أؤمن بالتغيير، ومن لا يؤمن به في ظلّ هذا الوضع يكون مجنوناً (فيسبوك)
+ الخط -

ككثيرين في لبنان عايش المايسترو لبنان بعلبكي اللحظات الأولى من انفجار مرفأ بيروت وككثيرين نجا بفارق لحظات من مأساة مُحتّمة. ففي الرابع من آب/ أغسطس كان قائد الأوركسترا الوطنية اللبنانية جالساً في غرفة الجلوس في منزله الكائن في بيروت. وقبل دقائق قليلة من دوي الانفجار، خرج منها الى غرفة النوم، لتُكتَب له حياة جديدة على ما يقول بعلبكي في حوار خاص أجرته معه "العربي الجديد". 
يستعيد المايسترو اللبناني اللحظات الأولى لانفجار المرفأ بأسى ويصف شعور الصدمة الذي سيطر عليه، مؤكّداً أن "الموضوع شكل لي ولعائلتي صدمة كبيرة، وما زلنا نعيشها إلى اليوم وهذا الشعور ينسحب على محيطي القريب المكوّن من أخوتي وأولادهم الصغار الذين لا يتجاوز عمر الكبير فيهم عشر سنوات. ويحزنني أن يضطرّ الأطفال في هذا البلد لعيش هذا الاختبار الصعب، وألا تجنّبهم الحياة تجربة الطفولة الأليمة التي عاشها جيلُنا أيّام الحرب. كنت أتمنّى أن ينجوا من هذا المصير، وألا يعيشوا الصدمة النفسية التي نعرفها وعشناها في سنوات الحرب اللبنانية، ولكنهم للأسف عاشوا صدمة تساوي كل ما عشناه نحن". 
ويضيف: "الانفجار الفاجعة خلّف في ثوانٍ قليلة دماراً يوازي الدمار الذي عرفته بيروت طول سنوات الحرب. 15 عاماً وأكثر من الحرب استعدناها في 3 ثوانٍ كارثية، مع نفس الزمرة الحاكمة في هذا البلد، فهم أنفسهم الذين دمروا البلد على البطيء قاموا هذه المرّة بتدميره سريعاً. وكما كان الانفجار النووي في اليابان نقطة تحوّل تاريخية لدى الشعب الياباني في مقاربته للحياة والبناء والوطنية والمواطنة، أتمنى أن يتحوّل انفجار بيروت لنقطة تحوّل مفصلية في تاريخ لبنان وتاريخ شعبه على صعيد الانتماء للوطن، والشعور بالمواطنة والإحساس بالمسؤولية عما يحصل". ويرى بعلبكي أن "الموسيقى والفنون عموماً تُصبح في زمن الأزمات ملجأً للناس يمدّهم بالمعنويات والأمل، حيث تلعب الموسيقى دورًا أساسيًا في هذه اللحظات والظروف وتخفّف من آلام الناس".
ويأسف لوضع الموسيقى والموسيقيين في البلد، والذي يجده "صعباً جداً ولم تكن تنقصه هذه الانتكاسات المتتالية. والسبب الأساسي كانت جائحة كورونا، والآن أتى الانفجار ليقضي على أية محاولة كانت تجري للنهضة بالقطاع الموسيقي أو لإعادة إحيائه". ويقول: "لن أطالب هنا الدولة أو الوزارات والمعنيين بالتدخّل، ولكنني طرحت فكرة أخيرًا مع إحدى الجمعيات في ألمانيا المهتمة بمساعدة المؤسسات الثقافية المتضررة، فاقترحت عليهم أن تقام مجموعة من الحفلات التي يستطيع الناس حضورها بشكل مجاني في مناطق مختلفة من لبنان وبيروت، بعد أن تخف وطأة انتشار فيروس كورونا، هذا إلى جانب ترميم المؤسسات الثقافية المحتاجة لذلك رغم ندرة وجودها في البلد للأسف. ولذلك آمل أن تهتم الجهات المعنية بالمساعدة بانتشال القطاع الموسيقي أيضاً، وذلك ليس فقط لتوفير فرص العمل للموسيقيين الذين يعانون منذ زمن طويل، وإنما لإشراكهم أيضاً في حراك البلد، وإتاحة الفرصة لهم للتعبير بالموسيقى عما يحصل. فمن المهم ألا يُترَك هذا القطاع لينهار من الداخل، وألا يتركوا الموسيقيين يهاجرون من البلد الواحد تلو الآخر. لذلك أدعو للتمسّك بالموسيقيين اللبنانيين وبالقطاع الموسيقي اللبناني وحشد القدرات، ليكون هناك صمود لهذا القطاع في هذه المرحلة، ومن ثم إعادة نهوض بالمرحلة القادمة بعدما يخفّ ضغط الوباء علينا". 

ويرى المايسترو الذي يحظى بمكانة خاصة على الساحة الكلاسيكية أن الحفلات "الأونلاين" التي تقام في الفترة الأخيرة تشكّل بديلاً جيّداً في الفترة الراهنة، في ظلّ القيود المفروضة على صعيد الحفلات والتجمّعات الراهنة، لتبقى هذه الفسحة متاحة للناس للاستمتاع بالأعمال الموسيقية، ولكنه يشدّد على أن "الموسيقى فنّ تفاعلي بين الفنان والجمهور. وسماع أصوات الآلات بشكل حي لا يقارن بسماعها (أونلاين)، إذ إننا في الموسيقى الكلاسيكية بشكل خاص لا نعتمد على أجهزة صوت، بتاتاً". 
وفي مقابل تعليق كثير من الحفلات التي كان من المترقب أن يقودها بعلبكي، إلا أنه يفصح أنه يحضّر عملاً مع "فنان لبناني لشهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل من دون حضور جماهيري، وسأفصح عنه عند اكتمال كلّ الاستعدادات اللوجستية، وما يُمكنني القول عن هذا العمل إنّه سيكون مفاجأة إيجابية لجهة نوعه، والموسيقى التي ستُقدّم والمشاركة بيني وبين هذا الفنان وهو نجم كبير ومحبوب جداً من الناس".
وإذ يعتبر أن قصته مع الموسيقى هي قصة قدر وشغف في آن، يقول بعلبكي المتحدّر من عائلة فنية: "مشواري الفني مزيج من الأمرين، فهو قدر وشغف في آن، فالموسيقى وُلدت معي ولم أتعرّف عليها كأمر خارجي بل خُلقت من داخلي. وإيماني بالموسيقى تحوّل شغفاً، كما أنّ الموسيقى وكلّ الفنون لا يُمكن أن تكون إلّا قدر الشخص وشغفه لكي يتمكّن من صنعها والنجاح فيها، فالموسيقى خصوصاً لا تقبل أيّ أمر إلى جانبها". وكما الموسيقى، يرى أن "الثورة قدر أيضاً وهي قدر الأحرار". ويقول: "هذا الوطن لا يُمكنه الاستمرار بهذا الأسلوب، وهناك جيل من الشباب والأشخاص الذين يملكون الوعي، ويعرفون حقيقة ما يحدث ولا يمرّ عليهم الكذب الحاصل، وهذا الجيل يملك كامل الحق بالمطالبة بالتغيير، والتغيير قادم لا محالة، وهو حتمي. وأنا أؤمن بالتغيير، ومن لا يؤمن به في ظلّ هذا الوضع يكون مجنوناً".

يرى المايسترو الذي رافق فنانين لهم اسم في العالم العربي، مثل مارسيل خليفة وماجدة الرومي وسميّة بعلبكي أن ما شاهدناه أخيراً من أعمال أوركسترا معروضة على شاشة التلفزيون هو مصدر طمأنينة وسعادة له "لأنّ الأوركسترا باتت تدخل بيوت الناس". وفيما يعتزّ بتعامله مع الأسماء الكبيرة، يعلن أن تعاونات مستقبلية ستجمعه بأسماء جديدة، وهي "من منطلق أن أصل إلى الجمهور الآخر لا أن يأتي هو إلينا، لذلك أفتح آفاقاً جديدة مع فنانين آخرين".

المساهمون