فجّر المجلس الدستوري في لبنان، اليوم الخميس، مفاجأةً بإعلانه إبطال نيابة ديما جمالي، التي أعلن فوزها في انتخابات مايو/أيار الماضي عن مدينة طرابلس، شمال لبنان، وهي عضو في كتلة تيار "المستقبل" الذي يتزعمه رئيس الحكومة سعد الحريري.
وقال رئيس المجلس الدستوري، عصام سليمان، خلال مؤتمر صحافي عقده اليوم لإعلان خلاصة ما تقرر بالنسبة للطعون التي قدمت إليه، إن العملية الانتخابية برمتها "شابها الكثير من التجاوزات".
وبالرغم من أهمية إعلان إبطال نيابة جمالي، إلا أن ما تضمنه المؤتمر الصحافي يعكس بوضوح أن العملية الانتخابية برمتها موضع شك، خصوصاً أنه تحدث عن ضعف في الخبرة وتدريب غير كاف للذين نظموا الانتخابات، من رؤساء أقلام وكتبة ورؤساء وأعضاء لجان قيد، وعن مخالفات حدثت أثناء العمليات الانتخابية، وعن مخالفات رافقت الحملات الانتخابية، وكان لها أثر كبير على تكافؤ الفرص بين المرشحين، وهي تتعلق بالإعلان والإعلام الانتخابيين، والتقيد بسقف الإنفاق المالي على الحملة الانتخابية، وكذلك عن الصعوبات التي واجهتها هيئة الإشراف وضعف الإمكانيات المتوافرة لها.
وقال سليمان إن المجلس قرر بالأكثرية إبطال نيابة جمالي وإعلان المقعد النيابي شاغراً، على أن تجرى الانتخابات لملئه خلال شهرين وفق النظام الأكثري في دائرة طرابلس، ما يعني أن فرصة إعادة انتخاب جمالي نائباً مرتفعة جداً، خصوصاً في ظلّ العلاقة الإيجابية بين الحريري ورئيس تيار "العزم"، رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، والقطب الآخر في السياسة الطرابلسية، محمد الصفدي.
وعلم "العربي الجديد" أن القرار هدفه تأكيد عودة المجلس الدستوري إلى المشهد السياسي في لبنان، وإلى تأدية دوره الرقابي، خصوصاً بعد الفضيحة التي رافقت التمديد أكثر من مرة للمجلس النيابي السابق، والتي لم يتخذ خلالها المجلس الدستوري أي موقف، بل برزت جملة من التدخلات السياسية، خصوصاً أن معظم أعضاء المجلس محسوبين على الأفرقاء السياسيين، ما أدى وقتها إلى عرقلة عمله.
واستناداً إلى ذلك، كان الجو العام يشير إلى أن حفظ ماء وجه المجلس الدستوري يتطلب على الأقل قبول طعنٍ واحد، أو إبطال نيابة أحد أعضاء المجلس على الأقل، وهو ما حصل، وفق إخراج سياسي بدا محكماً، خصوصاً أن المجلس لم يقرر فوز طه ناجي، مرشح جمعية "المشاريع الخيرية الإسلامية" المتحالفة مع "حزب الله" بدل النائبة عن "المستقبل"، بل قرر إجراء انتخابات فرعية، وهو ما يحفظ ماء وجه المجلس الدستوري، من دون إثارة أزمة سياسية في هذا البلد.
وبخصوص بقية الطعون التي قدمت في عدد من الدوائر الانتخابية الأخرى، أكد المجلس الدستوري عدم وجود ما يستدعي إبطال الانتخابات فيها.
ويعتبر قرار إبطال نيابة جمالي الأول من نوعه بعد خروج القوات السورية من لبنان (2005)، خصوصاً أن البلد شهد خلال الفترة التي سبقت العام 2005 حين كان خاضعاً فيها للوصاية السورية، أكثر من قرار للمجلس الدستوري، لكنها كانت جميعها خاضعة للوصاية السورية، لعل أبرزها إبطال نيابة غبريال المر في العام 2002 الذي كان محسوباً على المعارضة اللبنانية للوجود السوري، وإعلان فوز غسان مخيبر، الذي حلّ ثالثاً يومها.
ومنذ ذلك التاريخ، وتحديداً منذ الانسحاب السوري، لم يتخذ "الدستوري" أي قرار متعلق لا بالانتخابات النيابية التي جرت في العامين 2005 و2009، ولا بالتمديد لأكثر من مرة للمجلس النيابي الذي انتخب في 2009، وهو ما رسم علامات استفهام حول حقيقة استقلالية المجلس عن الضغوط السياسية، كما حول استقلالية القضاء، خصوصاً أنه بدا واضحاً خلال هذه الفترة حجم التدخلات السياسية، وكذلك وجود أعضاء محسوبين مباشرة على الأحزاب والتيارات السياسية الحاكمة.