العام الدراسي على الأبواب في لبنان. والحال نفسه عاماً بعد عام. أوضاع اقتصادية صعبة، ومؤسسات تربوية مدرسية وجامعية تزيد تكاليفها، ومكتبات ترفع أسعار كتبها. وفي المقابل، تبقى رواتب المواطنين كما هي، ولا ترتفع قدرتهم الشرائية.
في ظلّ مثل هذه الأوضاع، يلجأ الأهالي إلى عدد من الطرق لتأمين تعليم أبنائهم. فالطالب الجامعي علي مثلاً، حمّل والده ديوناً كبيرة، من أجل تسديد مصاريف دراسته. فالوالد مدرّس ثانوي، ويريد لنجله أن يتلقى تعليمه في إحدى الجامعات الخاصة الراقية. بعد دفعه كلّ ما جناه من سنوات عمله، لجأ مؤخراً إلى القروض المصرفية، كي لا يتوقف مستقبل ابنه. يبرر لـ"العربي الجديد" أنّ "الجامعة الجيدة ضمانة لوظيفة جيدة". يتابع: "همي كلّه يتلخص اليوم في تخرّج ابني طبيباً، مهما تحمّلت من مصاريف، وتكبدت من ديون مع فوائدها المرتفعة".
إيلي يدرس الصحافة، في جامعة خاصة، رفعت إدارتها تكاليف الأرصدة بنسبة 20 في المئة كمعدل، ولم تأبه بتحركات الطلاب الاحتجاجية. يقول الشاب، ابن الـ20 عاماً، إنّ هذا القرار أجبره على العمل نادلاً في أحد مطاعم الأشرفية (شرقي بيروت). ويتابع أنّ تكلفة الأرصدة في اختصاصه "ارتفعت من 170 دولاراً أميركياً إلى 300". يحتجّ على مثل هذا القرار بالقول: "في أوج الأزمة الاقتصادية، نفاجأ بقرار ظالم يزيد من معاناتنا ومعاناة أهلنا، ويحدّ من تطلعاتنا المستقبلية".
بعيداً عن الجامعات، فالمدارس أيضاً لها قصصها الأشدّ وقعاً. وها هي منال والدة فرح وزيد، تتحمل سنوياً على دراسة طفليها معاً، ما مجموعه 10 آلاف دولار أميركي، ما بين رسوم تسجيل وأقساط عامة. كما تكشف منال عن طرق تعتمدها إدارات المدارس الخاصة من أجل زيادة أعباء الأهل أكثر.
تقول: "لا يسمحون لنا بشراء شيء من خارج المدرسة، حتى الكتب والقرطاسية، وكلّ ذلك بحجة وضع شعار المدرسة عليها". لكن لدى الأهل أساليبهم أيضاً، فمنال تشتري الكتب التي تحتوي شعار المدرسة، لكن "مستعملة". أما بخصوص الزي المدرسي فوجدت، مع غيرها من الأهالي، طريقة للتهرب من شرائه من المدرسة، بتكلفة 60 دولاراً أميركياً للقميص الواحد أو السروال. تقول: "طلبنا من خياط تأمين القمصان والسراويل، وتكلفنا القطعة الواحدة ربع ما تكلفنا في المدرسة".
ورغم مجانية المدارس الحكومية، فإنّ لها تكاليفها أيضاً. فأم محمد لا تتمكن من تأمين رسوم تعليم ابنها في مدرسة رسمية، رغم أنّها لا تتعدى 300 ألف ليرة (200 دولار أميركي)، وتتضمن الزي المدرسي والكتب. تقول: "أعمل خادمة في إحدى الشركات اللبنانية، وما أنتجه لا يكفي لإطعام عائلة".
أما بخصوص تسجيل ابنها فتقول: "أستدين شهرياً، وأجمع ما تيسّر كي أؤمن المبلغ، وأحفظ مقعده الدراسي مبكراً، خاصة أنّ الإقبال شديد على المدارس الرسمية".
في المقابل، يردّ مدير إحدى المدارس الخاصة في حديث إلى "العربي الجديد"، على انتقادات الأهالي من الزيادة السنوية للأقساط، ويقول: "القانون يجيز للمدرسة الخاصة زيادة الأقساط كل عام بنسبة 10%، من دون العودة الى لجان الأهل".
في ما خص الكتب المدرسية، ينفي مالك إحدى المكتبات (فضل عدم ذكر اسمه) ما ينسب إليها، من أقاويل حول تسعير الكتب بشكل غير قانوني. ويوضح، أنّه وزملاءه، في المهنة، لا يتحملون مسؤولية الأسعار. ويتابع أنّ "هناك ثلاثة انواع من الكتب، لكل منها سعره الخاص. فالكتب الاجنبية الأميركية، وهي الأغلى، تأتي مسعّرة من الخارج، وقد يتجاوز سعر كتب السنة الدراسية 500 دولار. وكذلك الكتب الفرنسية التي يصل سعرها إلى 300 دولار. أما الكتب الحكومية فلا تتجاوز 30 دولاراً، لكنّ بعض المدارس تلزم الأهل بشرائها حصراً من المدرسة، وتسعّر بالطريقة التي تريدها".
ويتابع أنّ "وزارة الاقتصاد هي المسؤولة عن مراقبة أسعار الكتب وتحديدها". ويؤكد أنّ "الوزارة ترسل سنويا دوريتين لمراقبة الأسعار وحماية المستهلك من السرقة. وفي حال ضبطت المخالفات يحرّر بحق صاحب المكتبة ضبط قد تصل قيمته الى مليون ليرة لبنانية (667 دولاراً)". أما عن أرباح المكتبة فيقول: "حددت لنا الحكومة سقوفا للأرباح، هي كالتالي: 15% من كتب الدولة، و20% من كتب دور النشر الخاصة". وعن تلك الأخيرة يقول إنّ هنالك مصاريف أخرى تدخل في إطارها كأجر العمال، والنقل، والكتب غير الصالحة للبيع، أو الملغاة من قبل المدارس. ليخلص إلى نتيجة أنّ المكتبات "تخسر أكثر مما تربح عاماً بعد عام".