وإن أجمعت مواقف مجموعة من الكتل النيابية على حتمية حصول رئيس تيار المستقبل، النائب سعد الحريري، على أغلبية "محترمة ووازنة" لتكليفه برئاسة الحكومة، فإن الأنظار تتوجه إلى موقف قطبي "الثنائية الشيعية"، أي حزب الله وحركة أمل، من هذا التكليف ومن عملية تشكيل الحكومة.
عقدة "قطبي الثنائية"
ولم يُسم قطبا "الثنائية الشيعية" آل الحريري في أي من الحكومات التي تولاها رئيسي الوزراء الراحل رفيق الحريري أولاً ومن ثم نجله سعد الحريري ثانياً. وهي 5 حكومات ترأسها الحريري الأب خلال ولايتي الرئيسين إلياس الهرواي وإميل لحود بين 1992 و2004، وحكومة واحدة ترأسها الحريري الابن عام 2009 واعتبرت مستقيلة عام 2011 بعد خروج وزراء تحالف الثامن من آذار منها، ومن بينهم وزراء حزب الله وحركة أمل.
ويضاف إلى ذلك واقع معارضة رئيس مجلس النواب، رئيس حركة أمل، نبيه بري، للتسوية السياسية التي أفضت لتسمية عون رئيساً للجمهورية، واقتصار موقف حزب الله على "عدم ممانعة" التزام حليفه المُنتخب رئيساً، ميشال عون، بتسمية الحريري الابن رئيساً للحكومة.
وقد عبّر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عن انزعاجه من خطاب الحريري الأخير الذي أعلن فيها تبني ترشيح عون للرئاسة، "والذي واصل فيه مهاجمة حزب الله".
ولم تخل لهجة نصر الله في مخاطبة الحريري من فوقية "مبنية على فصاحة اللغة وعلى المعطيات الكثيرة التي تؤهلنا للرد عليك، والرد بقسوة أيضاً". ومن الممكن أن تُشكل المشاورات النيابية فرصة مواتية لرد الحزب على الحريري من خلال الإحجام عن تسميته وترك المسار السياسي يأخذ مجراه من دون تسهيل العملية من خلال التواصل مع حلفائه.
ويلتزم نواب الحزب حالياً "سياسة الصمت المطبق حتى إنجاز الاستشارات". ويرى عضو كتلة حزب القوات اللبنانية، النائب أنطوان زهرا، أن "تأليف الحكومة الجديدة منوط بشرطين، هما إنجاز التفاهمات بين مُختلف القوى السياسية حول الحصص في الحكومة، ومنوط أيضاً بإرضاء الثنائية الشيعية". ويعتبر زهرا في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تفويض حزب الله لرئيس مجلس النواب نبيه بري أمر جيد، لأنه لا يهوى التعطيل وهو ركن من أركان السلطة ويمكن التفاهم معه على تشكيل الحكومة".
ولا يخلو أي موقف مُعلن لأي من نواب تيار المُستقبل وتكتل التغيير والإصلاح (كتلة عون النيابية) من مديح وثناء على "مرجعية الرئيس بري"، في محاولة لتسهيل عملية التفاوض لتشكيل الحكومة، وذلك بعد أن أسقطت التسويات الثنائية التي عقدها عون مع القوات والمستقبل مشروع "السلة المتكاملة" الذي حاول رئيس المجلس النيابي تسويقه للخروج من الفراغ الرئاسي.
ويعتبر عضو كتلة التنمية والتحرير (كتلة بري النيابية)، قاسم هاشم، أن الجدية موجودة في بحث اسم رئيس الوزراء المُكلف، والأهم هو مرحلة ما بعد التكليف. ويوضح هاشم في حديث مع "العربي الجديد"، أن "رئيس مجلس النواب ينتظر ما سيُعرض عليه من قبل رئيس الوزراء المُكلف، وإذا كان العرض جيداً فستشارك حركة أمل في الحكومة، وإن كان العرض غير ذلك، فسنختار خيار المعارضة خلال العهد الجديد".
ويبلغ التفاؤل بين أركان التسوية السياسية التي أوصلت عون إلى القصر الرئاسي في بعبدا (التيار الوطني الحر، والقوات اللبنانية، وتيار المستقبل) حدّ توقّع تشكيل الحكومة وإقرار قانون انتخابي جديد قبل موعد إجراء الانتخابات النيابية المُقررة بعد 6 أشهر، على الرغم من فشل هذه القوى وغيرها في الاتفاق على قانون طوال 7 سنوات.
ولم تتأخر هذه القوى في البدء ببحث أسماء الشخصيات السياسية التي من الممكن اختيارها للمشاركة في الحكومة، وهو ملف خاضع للحسابات الداخلية في هذه التيارات وللتوافق حول توزيع المناصب الوزارية مع "دراسة إمكانية توسيع الحكومة لتصبح من 30 وزيراً"، كما تؤكد مصادر سياسية محلية لـ"العربي الجديد". وفي حال اعتماد هذا الخيار، فإن هذا الأمر يفتح المجال أمام إشراك آخر المُلتحقين بركب التسوية السياسية بالحكومة. مع العلم أن المناصب الوزارية تُوزّع بين الأحزاب الكبرى والصغرى في كل طائفة.
تلازم مساري الحكومة وقانون الانتخاب
في هذه الأثناء، يُشكل إدراج اسم عضو كتلة المستقبل النيابية، النائب أحمد فتفت، في قائمة النواب المُستقلين التي وزعتها الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية أولى إرهاصات الخلافات السياسية التي تعصف بالتيار الذي قدّم رئيسه تنازلاً سياسياً جديداً في الملف الرئاسي. وبعد أن اقتصرت ارتدادات الخيارات السياسية السابقة للحريري على تراجع القاعدة الشعبية لتيار المستقبل، أثّر التنازل الأخير بتسمية "مرشح حزب الله للرئاسة" على الكتلة النيابية للتيار.
ويرجح أن ينعكس الأمر على قرار رئيس التيار في ما يتعلق بشكل قانون الانتخابات النيابية المُقبلة. وفيما تؤكد مصادر سياسية محلية أنه سيكون مُختلطاً بين النظامين الأكثري والنسبي، يُفضل الحريري إجراء الانتخابات المُقبلة وفق قانون 1960 المعمول به حالياً. وهو قانون أكثري يمنح الحريري فرصة للحفاظ على أكبر كتلة نيابية مع إمكانية اختيار أعضاء كتلته وفق حساباته هو وإخضاع من اعترض منهم على تسمية عون رئيساً أو لم يُصوتوا له في البرلمان لـ"المحاسبة الحزبية" من خلال ترشيح أسماء بديلة عنهم للنيابة.
وبانتظار إعلان الرئيس اللبناني الجديد عن نتائج المشاورات النيابية المُلزمة، تتواصل المشاورات السياسية لتقديم تشكيلة وزارية مُنسجمة أمامها العديد من الملفات الخدماتية، والمالية، والبيئية، والأمنية لمعالجتها. ويُشكل تعاطي الحكومة مع اقتراح مؤسسة كهرباء لبنان بزيادة تعرفة الكهرباء بنسبة 30 في المائة أولى تحديات العهد الجديد أمام اللبنانيين المُرهقين معيشياً.