لبنان: الانتخابات البلدية في موعدها.. والكل رابح

09 مارس 2016
المشنوق: لا تأجيل في موعد الانتخابات مهما حدث(حسين بيضون)
+ الخط -
اجتمعت كل الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات البلدية اللبنانية في موعدها المقرّر في مايو/أيار المقبل. معظم التفاصيل التقنية تمّ حلّها من خلال فتح الاعتمادات المالية اللازمة لهذه الانتخابات، وإصدار لوائح الشطب الخاصة بالناخبين، وتجهيز مراكز الاقتراع المفترضة. وفي ما يخص القرار السياسي لإقامة هذه الانتخابات، فيبدو أنّ القرار قد اتّخذ من المكوّنات السياسية الأساسية بدعم الانتخابات.

وفي هذا السياق، شدد وزير الداخلية، عضو كتلة المستقبل نهاد المشنوق، على أنّ "ثمة قراراً لإجراء الانتخابات البلدية ولا تأجيل مهما حدث في السياسة"، في إشارة منه إلى أنّ حال التوتر بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" نتيجة التباين الظاهري في المواقف الخارجية لن يؤثر على سير الاستحقاق البلدي.

اقرأ أيضاً: لبنان: مواقف داعمة لإجراء الانتخابات البلدية في موعدها

وفي هذا السياق، كان الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، واضحاً في موقفه قبل أكثر من شهر، إذ أشار إلى أنّه "يجب إقامة الانتخابات في موعدها، وإذا طرح التمديد للمجالس البلدية الحالية في مجلس الوزراء، أو في مجلس النواب فسنرفض هذا التمديد".

وبالتالي، فإنّ الطرفين الرئيسيّين في البلد واضحان في خيارهما المضي في إجراء الانتخابات البلدية. وإذا كان "حزب الله" يدعم إجراء الانتخابات في موعدها من بوابة الحرص على حقوق المواطنين في الاقتراع، إلا أنّ كل هذا التمسك بالاستحقاق يأتي لتكريس الثنائية السياسية والحزبية والطائفية بين الحزب وحركة "أمل"، برئاسة رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري.

كما أنّ الحزب يرى في أي انتخابات حالية فرصة لفضح الأوضاع التنظيمية الهشّة داخل "تيار المستقبل"، الذي سبق وخسر بعض الاستحقاقات الانتخابية على مستوى النقابات العمالية كالمحامين والمهندسين.

لكن الجديد الحاصل على المستوى المستقبلي، أنه يتم العمل على إقامة محور سنّي لبناني واحد وموحّد، برعاية سعودية، من شأنه أن يعيد صياغة العلاقات بين المكوّنات السنية في لبنان ويجمعها داخلياً وخارجياً.

وبدأت هذه الوحدة أساساً في الظهور من خلال التفاف الزعامات والتيارات السنيّة حول المملكة وزعيم تيار "المستقبل"، سعد الحريري، فباشر المسؤولون السعوديون منذ أشهر التواصل مع مكوّنات سنية أساسية كانت محسوبة على فريق (8 آذار) وحليفة لحزب الله. كما تم تسليم مفتي الجمهورية اللبنانية، عبد اللطيف دريان، ورقة جمع القيادات السنية في دار الفتوى.

ومن هنا برز لقاءا الحريري مع كل من رئيس حزب الاتحاد، الوزير السابق وحليف حزب الله السابق عبد الرحيم مراد، والوزير السابق حليف حزب الله فيصل كرامي. في حين لم يتردّد رئيس الحكومة السابق، نجيب ميقاتي، في زيارة السفارة السعودية في بيروت للتضامن معها بعد انطلاق أزمة العلاقة بين لبنان والدول العربية على خلفية الموقف السعودي والخليجي المستنكر للسياسة الخارجية اللبنانية ولمواقف حزب الله العدائية تجاه السعودية.

وفي هذا الإطار، يقول مسؤولون محيطون بالحريري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التحالف السني سيكتسح الانتخابات البلدية في مناطقه، وبالتالي ستأتي الانتخابات لتظهر هذه الحقيقة وتكرّسها".

وبالتالي؛ فإنّ المطلوب من هذه الانتخابات وضع الحريري في موقع الحاضنة السنية لكل مكوّنات هذه الطائفة، بوجه الثنائية الشيعية التي لطالما استفادت من ضعضعة العلاقات السنية الداخلية وإقامة بعض التحالفات الموضعية بالإضافة إلى القيام بتحركات أمنية داخل تلك الساحة من خلال تمويل ودعم وإنشاء ما يسمّى مجموعات "سرايا المقاومة"، وهي المجموعات المسلّحة التي تتبع للحزب، وسبق أن شاركت في اجتياح بيروت وغيرها من المناطق في أحداث مايو/أيار 2008، كما تشارك في الاشتباكات المُسلحة التي باتت شبه شهرية في منطقة السعديات جنوبي لبنان.

أمّا على المستوى المسيحي، فإنّ الزعيمين المسيحيين رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، يجدان في الاستحقاق البلدي مناسبة جديّة لترجمة وتطوير الاتفاق السياسي، الذي جمعهما مطلع العام الحالي بعد أشهر من التشاور والنقاش وسنوات سبقتها من الصراعات.

وفي هذا الصدد، يتحدث متابعو الساحة المسيحية عن "تسونامي" انتخابي سيجتاح هذه المنطقة نتيجة التحالف بين عون وجعجع، والذي من المفترض أنّ يلغي أي طرف سياسي مسيحي آخر، ولو أنّ الاعتبارات العائلية تدخل في حسابات هذه الانتخابات.

ويوضح كل ما سبق أنّ الانتخابات البلدية، استحقاق يناسب كل القوى السياسية الأساسية، ويمكن القول اليوم أنّ في هذه الانتخابات سيخرج الجميع رابحاً.

لذا ستكون الانتخابات في موعدها، بعد تلاقي المصالح السياسية للقوى مع المواقف المبدئية المشدّدة على إجراء الانتخابات واحترام حقوق المواطنين بالاقتراع والتمثيل. وهي المواقف التي لم يتم احترامها في استحقاقات عديدة، أولها من خلال التمديد مرّتين للمجلس النيابي، وثم من خلال تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ مايو 2014 نتيجة امتناع "حزب الله" وحليفه النائب عون عن حضور الجلسات البرلمانية للانتخاب، في محاولة لفرض عون رئيساً للجمهورية. ​

ومع جدية الحديث عن الانتخابات البلدية، بدأت تظهر نشاطات وحركات للمجتمع المدني اللبناني، الذي سيحاول المشاركة في هذا الاستحقاق من باب كسر سيطرة القوى السياسية على المجالس المحلية، وضرب ما يعبره هؤلاء الناشطون "مصادرة" تمثيل المواطنين من قبل القوى السياسية. بالإضافة إلى إظهار أهمية البلديات ودورها في الحياة السياسية والإدارية، مع العلم أنّ السلطة السياسية تصادر أيضاً هذا الدور لمصلحتها، وهو الأمر الذي بدا واضحاً من خلال أزمة النفايات في لبنان (المكدسة منذ أغسطس/آب الماضي)، على اعتبار أنّ الحكومة لا تزال ترفض منح المجالس المحلية دورها في معالجة هذا الملف وتحمّل مسؤولية كنس وجمع وإعادة تدوير النفايات.


اقرأ أيضاًلبنان: الانتخابات البلدية في موعدها