عادت المفاوضات بين الحكومة اللبنانيّة وخاطفي العسكريين اللبنانيين إلى مرحلة التفاوض عبر رسائل القتل. إذ نفذت جبهة النصرة تهديدها بإعدام الدركي علي البزال، ليل الجمعة ــ السبت، فيما نُقل عن تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش) تهديدها بقتل العسكري إبراهيم المغيط. ومع إعدام البزال، يكون عدد الجنود الذين قتلهم الخاطفون خلال عمليّة التفاوض إلى أربعة عسكريين.
عمليّة إعدام البزال، والتهديد بقتل مغيط، أعادت أهالي العسكريين إلى الشارع بقوة، ليقوم هؤلاء بقطع عدد من الطرقات الرئيسيّة خصوصاً تلك التي تربط العاصمة اللبنانيّة بيروت بشمالي لبنان. يهدف أهالي العسكريين من خطوتهم هذه الضغط على الحكومة من جهة، وتخفيف الضغط عن أبنائهم المخطوفين، عبر تنفيذ مطالب الخاطفين بقطع الطرقات عسى هذا الأمر يُبعد شبح القتل عن أبنائهم.
كما توتّر الشارع اللبناني مذهبياً بعد عمليّة الإعدام، وعادت إلى الواجهة الممارسات الانتقامية من أهل بلدة عرسال (شرقي لبنان وداعمة للثورة السورية) واللاجئين السوريين. فقد سُجّل خطف لبعض أهالي عرسال، ما لبث أن اُطلق سراحهم، كما تم حرق بعض خيم اللاجئين والطلب منهم مغادرة بعض أماكن سكنهم. لكن هذه الممارسات لم تصل بعد إلى مستوى العنف التي شهدته بعد قتل العسكري عباس مدلج، ما يوحي بوجود قرار لدى الحكومة اللبنانيّة والقوى السياسيّة الفاعلة لضبط الشارع ومنعه من الانفجار. لكن مصادر سياسيّة، أبلغت "العربي الجديد" تخوّفها من انفلات الوضع في حال لقي عسكريون آخرون مصير البزال. وأشارت هذه المصادر إلى وجود مستوى احتقان كبير في الشارع، خصوصاً مع شعور الرأي العام بأن الحكومة غير جديّة في ملف التفاوض.
هذا الاحتقان وصل إلى حدّ المطالبة بإعدام عدد من الموقوفين الذين تطالب "جبهة النصرة" بإطلاق سراحهم. وهو ما أعلنته عائلة علي البزال، التي طالبت بإعدام جمانة حميّد وعمر الأطرش. كما وضعت العائلة شروطاً على الدولة اللبنانيّة لفتح الطريق أمام أهل عرسال والمساعدات إلى اللاجئين السوريين فيها، وهو توقيف الشيخ مصطفى الحجيري المطلوب للقضاء العسكري والمتهم بالتعاون مع "جبهة النصرة". وقد انتشرت معلومات صحافيّة عن نقل الموقوفين حميّد والأطرش إلى إحدى الثكنات العسكرية تمهيداً لإعدامهما. وهو ما نفاه بشدّة مصدر قضائي رفيع لـ "العربي الجديد"، وأضاف المصدر أن "الدولة اللبنانيّة لم تعدم أي أحد منذ عشرين عاماً، فهل ستقوم اليوم بإعدام أشخاص لم تصدر بحقهم أحكام إعدام بعد؟". ولفت المصدر القضائي إلى "أننا دولة نُطبق القانون". أمّا فيما يخصّ التحقيقات مع الموقوفة سجى الدليمي، فقد رفض المصدر التعليق معتبراً أن التسريبات في هذا الموضوع أدت إلى نتائج كارثيّة.
أمّا لجهة الحكومة فقد أكّدت مصادر وزارية في خليّة الأزمة التي شكّلتها الحكومة اللبنانيّة لمتابعة قضية العسكريين، لـ "العربي الجديد" أن عمليّة الإعدام كانت متوقعة، في سياق التفاوض، "فنحن نتعاطى مع مجموعة لا تملك معايير أخلاقية". وشدّدت هذه المصادر على أن المفاوضات لا تزال مستمرة، ولن تتوقف بسبب عمليّة الإعدام. ولفتت مصادر أخرى في خلية الأزمة إلى أن "المرحلة حسّاسة جداً".
لكن هذه التصريحات لا تلغي حقيقة الارتباك الذي يعيشه الجانب اللبناني، وهذا الارتباك مردّه إلى عدّة أسباب بحسب مصادر سياسة مطّلعة؛ ومن أبرز هذه الأسباب التباينات الداخلية حول طريقة إدارة ملف التفاوض ومن هي الجهة المسؤولة عنه. واللافت في هذا المجال أن ضباطاً في مواقع مسؤوليّة ينتقدون الأداء القطري والتركي في عمليّة التفاوض، ويُحمّلون الجانبين مسؤوليّة معنويّة في عمليّة الخطف، رغم أن المستوى الرسمي اللبناني لا يزال يُراهن على الدور القطري خصوصاً في عمليّة التفاوض.
كما أن الأسباب التي تُعقد عمليّة التفاوض "الفيتو" الموضوع من جهتين على أسماء عدد من الموقوفين الذين تُطالب الجهات الخاطفة بإطلاق سراحهم. وبحسب المعلومات، فإن حزب الله وضع "فيتو" على إطلاق سراح جميع المرتبطين بالتفجيرات التي تعرّض لها لبنان عامي 2013 و2014، ومن أبرزهم جمانة حميد وعمر الأطرش ونعيم عباس. أمّا "الفيتو" الثاني فهو أميركي على عدد من الأسماء التي ترى الولايات المتحدة أن لها دوراً مهما في "العمل الجهادي".
اللافت أيضاً، هو تقاطع المعلومات لدى عدد من الجهات التي على اطلاع على عمليّة التفاوض أو لعبت دوراً فيها، لجهة أن "الحكومة اللبنانيّة غير جادّة في عمليّة التفاوض وهي تحاول دائماً شراء الوقت كأنها تنتظر شيئاً ما من دون أن يكون واضحا ما هو هذا الشيء، لذلك تجنح إلى تحميل الوسطاء أو الخاطفين مسؤولية فشل التفاوض".