على الوتيرة نفسها للأحداث المتسارعة المتعلقة بالصراع الإقليمي في المنطقة، تجهّز السلطات الكويتية قوائم الترحيل الخاصة بمواطنين لبنانيين وسوريين، يُعتقد بأنّ لهم علاقة مع "حزب الله" اللبناني، بحسب مصادر إعلامية كويتية متعددة. وكانت مصادر أمنية قد أكدت، قبل أيام، أنّ قوائم إبعاد وترحيل موالين لحزب الله، جاءت إثر قرار مجلس التعاون الخليجي إدراج الحزب كمنظمة إرهابية، الأمر الذي يحظر التعامل معه ومساندته بأية طريقة. يُذكر أنّ السلطات الكويتية كانت قد أبعدت الأسبوع الماضي 11 مواطناً لبنانياً وعراقياً ثبت تورطهم مع الحزب، لكنّ قائمة جديدة تضمّ أكثر من ألف لبناني وسوري، أُعدّت على أن يُبلّغ الأشخاص المدرجة أسماؤهم فيها بقرار الترحيل في غضون أيام قليلة.
لا تحتاج الحكومة الكويتية إلى إقرار أنظمة قانونية جديدة لإبعاد متورطين مع الأحزاب والمنظمات التي تُصنفها منظمات إرهابية، إذ تستند غالباً في ذلك على المرسوم الأميري رقم 17 لسنة 1959 في قانون إقامة الأجانب (17/1959)، الذي ينص الباب الرابع منه على أنه: "يجوز لرئيس الشرطة والأمن العام أن يصدر أمراً مكتوباً بإبعاد أي أجنبي، ولو كان حاصلاً على ترخيص بالإقامة، إذا رأى رئيس دوائر الشرطة والأمن العام، أنّ إبعاد الأجنبي تستدعيه المصلحة العامة أو الأمن العام أو الآداب العامة". ويعطي القانون في المادة 17 منه، الحكومة، الخيار في طرد أو إبقاء أفراد أسرة المبعد المكلف بإعالتهم.
حاولت "العربي الجديد" التواصل مع مبعدين أو مهددين بالإبعاد أو أقرباء لهم في الكويت ولبنان، إلا أنّ الخوف الذي يعتري هؤلاء لم يسمح لهم بالكلام. ويوضح هنا صحافي يعمل في قناة "المنار" التابعة للحزب، أنّ "مجموعة صغيرة أُبعدت قبل شهر من الكويت وثمّة قائمة جاهزة أبلغ من أُدرجت أسماؤهم فيها بضرورة تصفية أعمالهم خلال شهر واحد والرحيل مع عوائلهم. وثمّة مجموعة وصلت من الإمارات أيضاً قبل مدة. هذا كل ما أستطيع قوله في الوقت الراهن". وعندما سألناه عن طبيعة عمل هؤلاء الذين أُبعدوا، قال: "لا تفاصيل لا تفاصيل"، في إشارة كما يبدو إلى تكتم الحزب حول هذا الموضوع في الوقت الراهن.
اقرأ أيضاً: دير الزور في الكويت
من جهته، يقول لبناني من الجنوب يعيش في الكويت منذ 25 عاماً، اشترط عدم ذكر اسمه أو مكان عمله أو أي إشارة تفصح عن هويته "تجنباً للمشاكل": "لم يبلغني أحد بشيء بخصوص الترحيل، لكن قبل أشهر رُحّل طبيب أسنان وزوجته وأبناؤه في منتصف العام الدراسي". وعند سؤاله عن إعطاء الحكومة الكويتية للمبعد مهلة لتصفية أعماله، يوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "السلطات كانت متعاونة جداً معه (طبيب الأسنان)، وأبلغوه بضرورة الرحيل خلال شهر واحد من دون تحديد تاريخ. لكنّ هذا لا يقلل من بشاعة الأمر. طبيب خدم الناس هنا يُطرد فقط لأنه ينتمي إلى خط سياسي".
وعن تدخل شخصيات كويتية للحدّ من الإبعاد، يجيب: "بالتأكيد لدى الجميع علاقات ومعارف ومصالح هنا. وقد حاول بعض فاعلي الخير التدخل، لكن وزارة الداخلية أبلغتهم بأن الأمر سيادي ولا مجال للتراجع عنه". ويؤكد: "لم يبلغني أحد بأي شيء حتى الآن، وأتمنى ألا يأتي هذا الخبر السيئ. لدي ابنان وزوجة وحفيد أيضاً. نحن عائلة من ثلاثة أجيال هنا، وثلاثة أرباع أملاكنا هنا، ومن الظلم أن نُورَّط في أمر كهذا. هل الوضع مخيف؟ إذا كنت مهدداً بالطرد من الوظيفة التي تؤمن لك عيشك ورزقك، سوف تعرف جوابي".
من الناحية الحقوقية والإنسانية، يقول رئيس منظمة "كويت ووتش لحقوق الإنسان" نواف الهندال إنّ "هذا الإبعاد مرفوض وظالم"، مضيفاً أنه "لا يمكن أن يظلم الناس بسبب أعمال تنظيم لا ينتمون إليه ولا يعملون به وتقطع أرزاقهم لمجرّد الهوية التي يحملونها". ويشدّد على أنّ "هذا انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وسوف يؤدي إلى نتائج سلبية على أسر الأفراد وأبنائهم الذين لا ذنب لهم. وهو يتناقض مع كل المواثيق الدولية التي صادقت عليها دولة الكويت".
لكنّ قانونياً آخر هو المحامي عبد الله العتيبي، يقول: "لا أريد أن أناقش الأمر من منطلقات أخلاقية أو إنسانية، أريد مناقشته من منطلق قانوني بحت إذ إني رجل قانون. أي أمر إبعاد تتخذه الحكومة الكويتية، هو قرار قانوني بشكل كامل، وذلك لأنّ الإبعاد يقسم إلى قسمين: إبعاد قضائي وإبعاد إداري". ويشرح أنّ "الإبعاد القضائي عقوبة تبعية يحكم فيها القاضي بعد العقوبة الأصلية، أما الإبعاد الإداري فقرار من الدولة محصّن من الطعن القضائي. وبالدولة أعني وزير الداخلية أو من ينوب عنه، الذي كفل له مرسوم عام 1959 سلطة مطلقة في أوامر إبعاد أي شخص قد يهدد كيان الدولة، مع إمكانية حبسه لمدة لا تزيد عن أسبوعين تأديبياً وطرد أبنائه على الأثر". يضيف العتيبي أنّ "أحكام القانون قاسية بعض الشيء، إذ إن تكلفة الإبعاد (تذاكر سفر ونقل متاع وغيرها) يتحملها الشخص المبعد الذي أعطاه القانون مهلة أقصاها ثلاثة أشهر لتصفية أوضاعه". ويلفت إلى أنّ "الأمر كله سلطة تقديرية بيد وزير الداخلية، وهذه نقطة ذكية من المشرّع الكويتي تجنباً للمشاكل القانونية".
تجدر الإشارة إلى أن آخر إحصائية رسمية للإدارة العامة للهجرة في الكويت (2014) أظهرت أنّ عدد اللبنانيين في البلاد يناهز 45 ألف نسمة، أغلبيتهم الكاسحة تعمل في وظائف عالية المستوى كأطباء ومهندسين ومديري شركات وصحافيين. وقد يؤثر قرار إدراج حزب الله على قوائم المنظمات الإرهابية، على كثيرين منهم، كما قد يفقدهم وظائفهم أو حتى إقامتهم في الكويت.
اقرأ أيضاً: اختلاط في جامعة الكويت