لا هي أيقونة... ولا هي أسطورة

27 نوفمبر 2014
الشحرورة في إحدى حفلاتها الاستعراضيّة (Getty)
+ الخط -
لم يكمل عبد السلام النابلسي روايته. حكى الفنان الكوميدي عن إنسانية فريد الأطرش، إذ وقف الموسيقار الكبير معه أثناء معاناته المرض. روى كيف كان عاجزاً عن دفع فاتورة المستشفى الذي قضى فيهه 40 يوماً خلال مرضه. انبرى حينها فريد ليسدد المبلغ. الغريب والمحبّب أنّ الأطرش كان مديناً لصاحب الشقة التي يسكنها. تأثر النابلسي بإنسانية فريد ومتانة صداقته.

فصول الرواية لم تكتمل مع النابلسي، لأن ثمة من سكن المبنى نفسه مع فريد، ولم يقبل إلا أن يعين جاره على تسديد دفعات الشقة. إنها جارة الشمس، صباح.
لا هي أيقونة ولا أسطورة. جانيت فغالي الإنسانة قبل كل شيء، الودودة، الظريفة، المبتسمة دائماً. إنسانة بعطاء لا ينتهي. روى الفنان روميو لحود ذات يوم أنّه نصحها بعدم الإنفاق على النحو الذي تنتهجه. كان جواب صباح ببساطة: "الإنسان هو العاطي.. مش إنسان يلي ما بيعطي".

ليست أيقونة ولا أسطورة، إنها المرأة بكل جمالها. أناقة صباح كصوتها مضرب للمثل الجميل. شغلت بال النساء بإطلالتها في الستينيات والسبعينيات، إحدى أكثر فترات القرن العشرين تبدلاً في الأزياء. حلمت الصبايا أن يرتدين مثلها. شغلت بال أشهر مصممي الأزياء في عصرها، كويليام خوري وإدمون سركيس. كانت النساء تقصد الخياطين والمصممين بطلب واحد: "بدي متل صباح". هي أكثر امرأة تخطت في تحدياتها الهموم التي تُقعِد الرجال. تحملت غدرهم، خيانتهم، طمعهم ولم تعتب. كيف للإنسان ألا يعتب لو لم يكن كامل النقاء. صباح الدلوعة جاهرت بدلعها فاختارت الوسيم جهراً، كرشدي أباظة فتزوجته، وأعادت الكرّة مرة وأكثر لأن العتمة ليست عالمها.

لا هي أيقونة ولا أسطورة، إنها تشبه لبنان بلدها. وقفت على أدراج بعلبك ضاحكة، فرحة تتألق كما كان لبنان في شرقه حينها. بكلمتين لخصت شكل لبنان منتصف القرن الماضي: "اللبناني ما بيغلق باب، بابو مشرع ع ميلين". تشبه بلدها اليوم. أبت الشحرورة الاعتراف بالزمن، تمرّدت على تجاعيدها كما تتمرد بيروت على همومها. بيروت التي تأبى أن تخرج للعالم إلاّ ملوّنة وأنيقة. كانت صباح عيداً، فنانة ترتدي العيد بغير موعده.
لا هي أيقونة ولا أسطورة، إنها الشخص الذكي. فنانة تخطت بلياقتها عداوات الكار، بلطافة فائقة وذكاء شديد. احتوت الصحافة قبل أن يطالها النقد. عفوية صباح لم تكن خالية من الفطنة. قد تكون الفنانة الوحيدة التي غنت للصحافة. قالت الشحرورة في رائعتها "ألو بيروت": "..والصحافة اعطيني خط النقابة، رجال التفكير هَـودي أغلى أحبابي، سياج الجمهور وسلاحه أهل الفنان وجناحه، نخبة أقلام في إلها فضل عليي".
يكفيها أن أجيالاً ستسمع أغانيها وتبتسم، كما أرادت للبنان دائماً. إنسانة بحجم قلعة من السعادة، ..قلعة كبيرة وقلبها كبير و"بيساع الدنيي كلها". أحببناها لأنّها ليست أيقونة ولا أسطورة. أحببنا صوت الإنسان فينا الذي كان في صباح.
دلالات
المساهمون