لا مفرّ من البطاقة الإلكترونيّة

29 يونيو 2016
يسعى البعض إلى إنهاء قضيّة اللاجئين (سيف دحلح/فرانس برس)
+ الخط -
قبل نحو شهرين، عاش اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات شمال الضفة الغربية المحتلة معاناة جديدة، بسبب تقليص خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وكانت البطاقة الإلكترونية التي قدّمتها الوكالة بدلاً عن السلة الغذائية سبباً أساسياً لتفاقم الأزمة.

ونفّذت اللّجان الخدماتيّة خطوات تصعيديّة عدة احتجاجاً على تقليص الخدمات والمراوغة. وقبلَ النزول إلى الشارع، حاولت الاجتماع مع المفوّض العام للوكالة، من دون أن يحدث أي تغيير. لاحقاً، نفذت اللجان خطوات عدة، منها إغلاق مكاتب مديري المخيمات ومكاتب الشؤون الاجتماعية والباحثين. كذلك، اختارت الاحتجاج بوسائل عدة حاولت من خلالها إيصال مطالبها وملاحظاتها حول تقليص خدمات الوكالة.

خطوات قوبلت بإعلان "الأونروا" إغلاقها جميع مكاتبها في مخيمات شمال الضفة، وتعليق خدمات أخرى، منها خدمات صحية وتعليمية وتموينية وأخرى تتعلق بالنظافة حتى إشعار آخر، بذريعة أن عدداً من موظفي الوكالة قد هُدّدوا من قبل أشخاص في اللجان الشعبية، بحسب ما أكد الناطق باسم الوكالة، كاظم أبو خلف، في وقت سابق، لـ"العربي الجديد".

وبعد جلسات عدة مع الوكالة بإدارة دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، عادت "الأونروا" إلى العمل، وتوزيع البطاقات الإلكترونية على اللاجئين المصنّفين من ذوي العسر الشديد.

يرى رئيس لجنة خدمات مخيم بلاطة في مدينة نابلس (شمالاً)، أحمد ذوقان، أن هذه البطاقات هي مجرّد وسيلة اختارتها الوكالة حتى تستمر في مسلسل تقليصاتها الطويل للخدمات المقدمة لللاجئين، وقد استطاعت تكريس البطاقة. علماً أن لاجئين فلسطينيين كانوا قد رفضوها، لإدراكهم الفرق بينها وبين السلة الغذائية التي كانوا يحصلون عليها. ويشير إلى توقيع اتفاقية بين الوكالة ودائرة شؤون اللاجئين واللجان الخدماتية لإنهاء الأزمة، والموافقة على البطاقة الإلكترونية، ووضع لجنة تراقب فاعلية البطاقة وتأخذ ملاحظات الأهالي حولها في الاعتبار حتى نهاية العام، وإجراء التعديلات عليها. لكنه يلفت إلى أنه لن يوقّع على الاتفاقية، لأنه ليس موافقاً على البطاقة الإلكترونية. يضيف أن غالبية المجتمعين وافقوا على توقيع الاتفاقية، إلا أنه يرى أنه سيكون للبطاقة تبعات صعبة على اللاجئين الفلسطينيين، باعتبار أن موضوع اللاجئين سياسي، وقد أنشئت الوكالة بهدف إغاثة وتشغيل اللاجئين في انتظار حلّ قضيّتهم وعودتهم إلى بلادهم التي هجّروا منها. يتابع أن دولاً كبيرة تتحكم في الوكالة، وتسعى منذ زمن إلى إنهاء قضيّة اللاجئين، وإلغاء الوكالة وتاريخها، كونها الشاهد الوحيد على النكبة الفلسطينية.


في نهاية المطاف، اضطر غالبية اللاجئين من ذوي "العسر الشديد" إلى تقبّل استلام البطاقة الإلكترونية، على الرغم من انخفاض البدل المادي الذي كان يمنح للفرد إلى 13 دولاراً للفرد الواحد، علماً أنه كان 45 دولاراً قبل إصدار البطاقة. في الوقت الحالي، يمنح الفرد 39 دولاراً كل ثلاثة أشهر، في إطار التقليصات التي تجريها الوكالة. وقد تقبّل الأهالي استلام البطاقة بسبب الظروف المعيشيّة الصعبة التي يمرون بها، واضطرارهم إلى شراء حاجياتهم الأساسية. ويمكن لمالك البطاقة صرفها من الصراف الآلي، أو أحد المحال التجارية التي تحدّدها الوكالة.

ذوقان الذي لا يعوّل كثيراً على البطاقة، يأمل أن توافق الوكالة على إجراء التعديلات والملاحظات التي قدمتها اللجان حول مواصفاتها، مضيفاً أن اللجان طالبت الوكالة بزيادة عدد المستفيدين من البطاقات، وزيادة قيمة البطاقة للفرد الواحد، بما يتناسب مع غلاء المعيشة، وتثبيت سعر الدولار، على أن يساوي الدولار الواحد أربعة شيكلات.

اللاجئ الفلسطيني رامي السلمان، وهو من مخيّم نور شمس في مدينة طولكرم (شمال الضفة الغربية المحتلة)، يقول لـ"العربي الجديد" إن والدته حصلت على البطاقة الإلكترونية قبل أيام بدلاً من السلة الغذائية، ولم تستخدمها حتى اللحظة كونها عجوزا غير قادرة على استخدام الصرّاف الآلي أو الذهاب إلى المحال التجارية التي حددتها الوكالة. يشير إلى أن البعض يجد صعوبة في التعامل مع هذه البطاقات، بالمقارنة مع السلة الغذائية التي كانوا يحصلون عليها بطريقة مباشرة، من خلال مكاتب الوكالة داخل المخيمات.

يضيف السلمان أن "تقليصات الوكالة هي بمثابة انعكاس لسياسة دولية تسعى إلى إنهاء قضية اللاجئين". يتابع: "ربّما كان كيس الطحين ومواد التموين التي اعتادت الأونروا على توزيعها على اللاجئين منذ إنشائها، دليلا على أن هؤلاء الناس هجّروا من قراهم الأصلية، وما زالوا حتى اليوم ينتظرون العودة إليها". ويوضح أن "جميع المواطنين اعتادوا على هذه التفاصيل، ولا حاجة إلى نسفها، كونها تذكّر العالم بحق العودة، أو استبدالها بوسائل حديثة وتقليص الخدمات لأهداف سياسية مبطنة".
المساهمون