لا لإرهاب الدولة

04 مارس 2015
+ الخط -
افتعال الأزمات في دول فقيرة يؤدي إلى إنتاج أزمات داخلية، وسط المجتمع، والمكونات الاجتماعية، والذي يهدف، من خلالها، إلى تفكيك المجتمع، والذاهب به نحو فوضى اجتماعية واقتصادية عامة. يقطف ثمرة هذه الفوضى حاملو المشاريع الخارجية، الموجهة على حساب الإنسان والمواطن نفسه. عند اشتعال حرب داخلية في دولة ما، تؤدي بدورها إلى توقف المؤسسات العمومية والخاصة عن العمل والإنتاج. وبالتالي، الهم الاقتصادي والاجتماعي يفرض نفسه على كل مواطن، وكل فرد من أفراد الجماعة المتصارعة. وهنا يبرز دور المال السياسي في استغلال هذه الشرائح، وتجييرها لمصلحته الخاصة، بدفع الأموال وحجز أصحابها لتنفيذ مآرب خاصة "بالمشاريع الخارجية". وأبرز مثال في هذا السياق، طريقة عمل "داعش" وأخواتها المتطرفة في استقطاب جيل الشباب، وتجنيدهم في صفوفها، من خلال وسائل المال والمتعة الجنسية، والذي لا يختلف عن عمل حزب الله، أو القوى التي تناصر فكر ولاية الفقيه في إيران، والذي يمكن أن نقارن وجه الشبه بينهما من خلال التقارب في الأفكار والتطرف وعمليات الاستقطاب، وبالتالي، تعمل هذه الأفكار على استهداف شرائح معينة في المجتمعات الإسلامية والعربية. وفي أغلب الأحيان، الطبقة المفقرة. على الرغم من وجود عينات في داخلها تنتمي إلى طبقات ميسورة جدّاً أو متعلمة.
هذا الوضع يجعل الشاب الفقير ضحية تدجين الجماعات المتطرفة، والذي يعاني من فراغ ثقافي ومستوى تعليمي متواضع، يلجأ إلى التعويض عن الحرمان والتهميش إلى حمل السلاح، أو "الاستشهاد"، فالوضعية الاجتماعية والاقتصادية تدفعه إلى اتخاد "الإرهاب" وسيلة لانتزاع حقه المسلوب، وخياراً أخيراً للثأر لنفسه ولطبقته المفقرة.
لهذا، نرى أن "الإرهاب"، كظاهرة منتهكة لحقوق الإنسان، ما هو إلا نتيجة لإرهاب آخر تمارسه الأنظمة والمؤسسات المالية والاقتصادية العالمية، ويتسبب في تجويع شعوب العالم الثالث وتفقيرها.
الأزمات الاقتصادية، والتي تتحمل مسؤوليتها المؤسسات المذكورة سابقاً، يذهب ضحيتها، أولاً، الأطفال والشباب. أزمات ينتج عنها إرهاب يتحول إلى حروب أهلية، ترفع فيها شعارات مذهبية وعرقية، تشد عصب الحياة عند الناس، وتغيب في المقابل في ظل هذه الأزمات شعارات المواطنة وحقوق الإنسان.
لهذا، من الضروري حشد ناشطي المجتمع المدني والفاعلين السياسيين للحد من ظاهرة الإرهاب من منطلق سوسيو-اقتصادي، حيث إحدى أهم السبل للحد منها، هو توجيه المطالب والحملات الحقوقية، لنبذ كل أشكال التمييز الاجتماعي والاقتصادي المتسببة في ظاهرة "الإرهاب". وليس بمعاقبة المشاركين والمنطوين في هذه الأطر بالطرق العسكرية التي تمارس ضد مجتمعاتنا وشعوبنا ومناطقنا الجغرافية والتاريخية والبيئة، بحجة ملاحقة مجموعات تتمدد وتنشط أكثر فأكثر في بيئات حاضنة لها، وبطريقة مميزة، كما حل بالعراق وسورية ومصر ولبنان وليبيا واليمن ودول أخرى. ينشط فيها التطرف، ويتمدد نتيجة أخطاء الآخرين في التعامل مع هذا المد الخطير، والذي تعاني منه، بالدرجة الأولى، مجتمعاتنا العربية وعلاقاتنا الاجتماعية وحضارتنا وتقاليدنا العربية المشتركة وديننا الإسلامي، دين التسامح والمحبة.
avata
avata
خالد ممدوح العزي (لبنان)
خالد ممدوح العزي (لبنان)