06 أكتوبر 2024
لا تمزّقوا لبنان بصراعاتكم
التوازن الهش الذي يعيشه اللبنانيون في ظله منذ حرب العام 2006، نتيجة الانقسام الداخلي الحاد بين مؤيد لسلاح حزب الله ومعارض له، يهتز اليوم بعنف، تحت ضغط الهجوم السعودي السياسي- الإعلامي ضد الحزب في لبنان، وتورطه العسكري في دول في المنطقة، خصوصاً في سورية واليمن، وضد تعاظم نفوذ إيران في هذا البلد. ومن المفارقات أن يكون أول ضحايا هذه الهجمة السعودية حليفها رئيس الحكومة (المستقيل؟) سعد الحريري الذي قدم استقالته من الرياض، فاتحاً الباب أمام أزمة حكومية حادّة، ستكون لها انعكاسات اجتماعية اقتصادية خطيرة للغاية، قد تطيح كل التوازنات الدقيقة التي يقوم عليها هذا البلد.
في استطاعة كل عاقل تفهم القلق الذي يشعر به محور الدول السنية المعتدلة بزعامة السعودية، في أعقاب الانتصارات التي حققها المحور الذي تقوده إيران في سورية، بدعمٍ كبير من الروس، ونجح في إنقاذ نظام الأسد وتعويمه، واستعادة سيطرته التدريجية على أرجاء واسعة من سورية، وعزّز بصورة كبيرة نفوذ إيران في العراق وسورية ولبنان.
وليس خافياً أن الوضع المستجد في سورية، في ظل تعاظم الوجود العسكري لإيران، وسعيها إلى بناء قواعد عسكرية لها هناك، وتعزيز قبضتها على لبنان من خلال تعاظم القوة العسكرية لحزب الله ونفوذه السياسي في لبنان، هو أيضاً مصدر قلق للإسرائيليين الذين يقولون علناً إنهم أمام وضع مختلف، يتطلب وضع قواعد لعبة مختلفة وتشديد سياسة الخطوط الحمراء التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، منذ بدء الحرب الأهلية في سورية.
والسؤال هنا: هل هناك فعلاً كما يُشاع تنسيق سعودي –أميركي - إسرائيلي لإحداث تغييرات
ٍ جذرية على الوضع؟ وما مدى صحة احتمال أن تستغل إسرائيل فرصة الأزمة السياسية في لبنان، كي توجه ضربة قاصمة إلى حزب الله في لبنان، تخدم أكثر من هدف في آن معاً؟ نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في نسختها الإنكليزية، في أعقاب استقالة الحريري، مقالا لسفير إسرائيل السابق في واشنطن، دان شابيرو، لم يستبعد فيه أن تكون السعودية بصدد الضغط على لبنان لدفع حزب الله إلى مواجهة جديدة مع إسرائيل بهدف توحيد اللبنانيين من حوله، وبالتالي دفع إسرائيل إلى مواجهة سابقة لأوانها، تهيئ لها منذ أكثر من عشر سنوات مع حزب الله. ويحذّر الكاتب من مغبة حدوث هذا، لأن "إسرائيل يجب أن تتخذ هي قرارتها بشأن التاريخ الصائب لنشوب مثل هذه المواجهة". وصدر قبل أيام، كلام آخر عن الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، غيورا أيلاند، بدا لافتا، إذ رأى في الخطوة السعودية فرصة للضغط على الرئيس اللبناني، ميشال عون، كي يغير سياسته الداعمة لحزب الله، لكنه استبعد أن تتدخل إسرائيل مباشرة كما فعلت سنة 1982، وتغرق من جديد في "الوحل اللبناني"، وأن عليها أن توضح للرئيس اللبناني والجيش أنهما إذا فضلا خدمة إيران، فسيكون لهذا تأثير كبير على "حرب لبنان الثالثة". وذهب المراسل العسكري في "هآرتس" إلى أبعد من ذلك. وحذّر، في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، من أن تدفع السعودية إسرائيل للقيام بما أسماه "العمل الوسخ" ضد حزب الله في لبنان. وهناك تحليلات عديدة أخرى، في هذا الاتجاه، وتدعو الحكومة الإسرائيلية إلى الحذر في هذه المرحلة، وعدم الانجرار وراء تصعيد مع حزب الله، يمكن أن يؤدي إلى تدهور نحو مواجهة واسعةٍ، ليست حالياً في مصلحة إسرائيل.
وفي الواقع، يأخذ الأسلوب الإسرائيلي في مواجهة تمدّد الوجود الإيراني في سورية حتى الآن
أشكالاً متعددة: عسكرية، مثل شن هجمات جوية على أهداف عسكرية تابعة لحزب الله داخل سورية، لمنعه من التزود بسلاح دقيق ومتطور كاسر للتوازن، مع الإشارة إلى محاولة السوريين المستجدة لتقييد هامش حرية تحليق الطيران الإسرائيلي بالتصدي له، بإطلاق صواريخ متطورة، أو بالاغتيالات لمسؤولين عسكريين كبار في حزب الله، مثل عماد مغنية وسمير القنطار؛ ومن خلال الضغوط السياسية عبر الولايات المتحدة الأميركية، والتنسيق مع الروس، لمنع اقتراب إيران ومليشياتها من الحدود مع "إسرائيل".
هناك من يقول بوجود خطة أميركية – سعودية شاملة، تسعى إلى قيام "نظام إقليمي جديد"، وأن المرحلة المقبلة قد تشهد انتقال الصراع مع إيران من سورية إلى أرض لبنان. وهذا كلام خطير، لأن معناه تحويل لبنان أرضا محروقة، مثلما حدث في سورية. ولن يكون تدمير لبنان هذه المرة بحروب إسرائيلية، أو بفعل اقتتال لبناني داخلي، كما حدث طوال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية المشؤومة التي اندلعت سنة 1975 بسبب الخلاف على الوجود العسكري الفلسطيني، انتهت سنة 1989 باتفاق الطائف الذي رعته السعودية تحديداً. فهل يعقل أن تؤجّج السعودية اليوم حرباً جديدة في لبنان الذي ساهمت هي تحديداً في عملية إعادة بنائه، وساهمت مراتٍ في رعاية مصالحات سياسية أساسية فيه، من أجل محاربة إيران؟
من سيدفع ثمن المطالبة السعودية بتغيير موازين القوى في لبنان عبر الضغط والتهديدات، ليس حزب الله، ولا واضعو السياسات الخاطئة والقصيرة النظر، بل هو، أولاً وأخيراً، الشعب اللبناني المغلوب على أمره.
في استطاعة كل عاقل تفهم القلق الذي يشعر به محور الدول السنية المعتدلة بزعامة السعودية، في أعقاب الانتصارات التي حققها المحور الذي تقوده إيران في سورية، بدعمٍ كبير من الروس، ونجح في إنقاذ نظام الأسد وتعويمه، واستعادة سيطرته التدريجية على أرجاء واسعة من سورية، وعزّز بصورة كبيرة نفوذ إيران في العراق وسورية ولبنان.
وليس خافياً أن الوضع المستجد في سورية، في ظل تعاظم الوجود العسكري لإيران، وسعيها إلى بناء قواعد عسكرية لها هناك، وتعزيز قبضتها على لبنان من خلال تعاظم القوة العسكرية لحزب الله ونفوذه السياسي في لبنان، هو أيضاً مصدر قلق للإسرائيليين الذين يقولون علناً إنهم أمام وضع مختلف، يتطلب وضع قواعد لعبة مختلفة وتشديد سياسة الخطوط الحمراء التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، منذ بدء الحرب الأهلية في سورية.
والسؤال هنا: هل هناك فعلاً كما يُشاع تنسيق سعودي –أميركي - إسرائيلي لإحداث تغييرات
وفي الواقع، يأخذ الأسلوب الإسرائيلي في مواجهة تمدّد الوجود الإيراني في سورية حتى الآن
هناك من يقول بوجود خطة أميركية – سعودية شاملة، تسعى إلى قيام "نظام إقليمي جديد"، وأن المرحلة المقبلة قد تشهد انتقال الصراع مع إيران من سورية إلى أرض لبنان. وهذا كلام خطير، لأن معناه تحويل لبنان أرضا محروقة، مثلما حدث في سورية. ولن يكون تدمير لبنان هذه المرة بحروب إسرائيلية، أو بفعل اقتتال لبناني داخلي، كما حدث طوال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية المشؤومة التي اندلعت سنة 1975 بسبب الخلاف على الوجود العسكري الفلسطيني، انتهت سنة 1989 باتفاق الطائف الذي رعته السعودية تحديداً. فهل يعقل أن تؤجّج السعودية اليوم حرباً جديدة في لبنان الذي ساهمت هي تحديداً في عملية إعادة بنائه، وساهمت مراتٍ في رعاية مصالحات سياسية أساسية فيه، من أجل محاربة إيران؟
من سيدفع ثمن المطالبة السعودية بتغيير موازين القوى في لبنان عبر الضغط والتهديدات، ليس حزب الله، ولا واضعو السياسات الخاطئة والقصيرة النظر، بل هو، أولاً وأخيراً، الشعب اللبناني المغلوب على أمره.
مقالات أخرى
21 سبتمبر 2024
06 سبتمبر 2024
13 اغسطس 2024