لا تغفروا لهم

22 نوفمبر 2017
هم تعمّدوا إغفالكم (عبده حيدر/ فرانس برس)
+ الخط -

لا تغفروا لهم.. هم يُدركون ماذا يفعلون. عبارة مستهلكة من دون شكّ إذ تكرّرت وتتكرّر في أكثر من مناسبة وظرف، غير أنّها تبدو اليوم ملحّة.

قبل يومَين، في العشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، احتفل العالم بيوم الطفل. وما زالت الاحتفالات قائمة في بقع كثيرة من المعمورة، منذ ما قبل التاريخ المذكور. الأطفال هم المستقبل.. كيف لا نحتفي بمستقبلنا؟! كلام "كليشيه"، غير أنّه يبدو اليوم ملحّاً.

عشيّة العشرين من الشهر الجاري، اليوم العالميّ للطفل، كان اجتماع للجامعة العربيّة في القاهرة. لسنا هنا في وارد تناول تفاصيله ولا البيان الصادر عنه ولا انعقاده في الأساس. في ذلك الاجتماع الذي تطرّق المشاركون فيه إلى اليمن، من ضمن مواضيع أخرى، سقط اليمنيّون الصغار من الحسابات. بالتأكيد، لم يسقطوا سهواً من حسابات المجتمعين المنهمكين بقضايا أكثر أهميّة. فهؤلاء غير معنيّين بالأطفال الذين تتهدّدهم أكبر مجاعة في التاريخ، وإن كانت مجاعة يتحمّل مسؤوليّتها هؤلاء المجتمعون أنفسهم، تماماً مثلما يتحمّلون مسؤوليّة تدهور الأوضاع الصحيّة في البلاد.

صغار اليمن تخنقهم المنافذ التي يصرّ على إغلاقها عدد من المجتمعين، في حين ما زال آخرون يغضّون الطرف عمّا يرتكبه هؤلاء متحدّين كلّ الأصوات المناشدة بإدخال الغذاء والدواء. تلك الأصوات هي من دون شكّ أصوات "متآمرة" على اليمن وأهله، لا سيّما صغاره. صغار لم يعرفوا أنّ ثمّة يوماً لهم، ينادي برفاههم. وما هو الرفاه في الأساس؟ بعضهم يستخدمه كمصطلح فلسفيّ للإشارة إلى نوعيّة/ جودة حياة الإنسان الذي يعيشها، فيما تتّفق المراجع اللغويّة على أنّه "رغد العيش".

عند التحدّث عن الرفاه، لا بدّ من توفّر "حياة" أو "عيش" في المقام الأوّل. هل ما يخبره أطفال اليمن هو عيش؟ هل هو حياة؟ العيش هو "ما تكون به الحياة من مأكل ومشرب ودخل"، والحياة باختصار هي "النموّ والبقاء". صغار اليمن يفتقرون إلى المأكل والمشرب، ويفتقر معيلوهم إلى الدخل، الأمر الذي يحرمهم من دون شكّ من النموّ ويهدّد بقاءهم. وذلك "البقاء" يتهدّده الحصار الذي يُطبِق عليهم فيحرمهم ليس فقط من المأكل والمشرب بل من الدواء الذي قد ينجّيهم من تبعات أمراض تصيبهم ويفاقمها الحصار نفسه ومن ذلك الذي قد يقيهم من أخرى تتوعّدهم. كلام مكرّر منذ نحو ثلاث سنوات ثقيلة، غير أنّه - على قاعدة "في الإعادة إفادة" - يبدو اليوم ملحّاً.

لا تغفروا لهم.. هم يُدركون ماذا يفعلون.. يُدركون جيّداً ما يقترفونه. أنتم لم تسقطوا سهواً من حساباتهم. هم تعمّدوا إغفالكم. في أفضل الأحوال أنتم لستم سوى "أضرار تبعيّة".


المساهمون