لا بأس... موتهم محتّم

15 يونيو 2020
وتفاقم الكمامة معاناتها (راوول أربوليدا/ فرانس برس)
+ الخط -

لا نكشف سرّاً إذا قلنا إنّهم الفئة الأكثر هشاشة اليوم، وسط الجائحة المستجدّة. فالفيروس يزداد شراسة في أجساد أنهكتها السنون. كورونا الجديد يستهدفهم ليجعل منهم الحلقة الأضعف بكلّ المعايير، إذ هو لا يتهدّد حياتهم فحسب إنّما يعزلهم كما لا يفعل مع أيّ فئة أخرى. والعزل لا يعني هنا التباعد الاجتماعيّ أو الجسديّ المفروض لحماية أرواحهم قبل كلّ شيء، بل ما نرتكبه جميعنا في حقّهم... جعلهم على الهامش بكلّ ما تحمل هذه العبارة من معنى.

كلّما أردنا التخفيف عن آخر وطمأنته بأنّ الفيروس الجديد ليس خطِراً بقدر الهلع الذي يشعر به، رحنا نؤكّد له أنّه يستهدف خصوصاً "الختايرة". كأنّما هؤلاء المسنّون ليسوا أهلاً بالقلق. كأنّما مصيرهم الحتميّ هو الموت، بالتالي فإنّ إصابتهم بالعدوى ليست سوى تفصيل لن يُحدث فرقاً كبيراً في مسار ما تبقّى لهم من أيّام. الأمر لا يتعلّق بالموت بحدّ ذاته، فكلّنا على الدرب سائرون. المسألة هي في ما يسبق ذلك القدر المحتّم. فلنتوقّف قليلاً ولنقس الأمر على أنفسنا. عزيز متقدّم في السنّ في غرفة عناية فائقة ينازع وحيداً... لن نتمكّن من مرافقته في ساعاته الأخيرة والتعبير عن حبّ أو امتنان أو حنق أو ملامة لم نبح بها في السابق، لسبب أو لآخر. لن تُتاح لنا فرصة وداعه قبل أن ينتقل من بيننا.

الأمر هنا شبيه، إلى حدّ كبير، بتخلّي بعض منّا عن كبار من لحمنا ودمنا لمجرّد أنّهم أصيبوا بالألزهايمر. ونعلّل: "هم لا يعرفون من نحن!". لكنّنا نحن ندرك جيّداً من هم. إلى أيّ درجة نحن مستعدّون لتفويت لحظة يقظة خاطفة محتملة، يندهوننا من خلالها بأسمائنا أو يتذكّرون ملامحنا.



في الخامس عشر من يونيو/ حزيران، يوم عالميّ يُدرج على روزنامة الأمم المتحدة وهدفه التوعية بشأن إساءة معاملة المسنّين. هو ليس الوحيد الخاص بتلك الفئة، ففي الأوّل من أكتوبر/ تشرين الأوّل يُحتفى باليوم العالميّ للمسنّين. بالعودة إلى ذلك الذي يعنينا في هذا الشهر، فإنّ الإساءة لا تعني تعذيب كبار السنّ جسديّاً أو رميهم في الشارع أو إهانتهم أو عدم إكرامهم. الإساءة قد تكون بمجرّد الاستخفاف بمرض كوفيد - 19 الذي يتسبّب فيه فيروس كورونا الجديد بحجّة أنّه لا يتهدّد فعليّاً إلا هؤلاء الذين تقدّم العمر بهم. لا همّ إذا التقط هؤلاء العدوى، طالما أنّها توفّرنا. فالعمر ما زال أمامنا... لنحياه.

بحسب بيانات سابقة للأمم المتحدة، فإنّ مسنّاً واحداً من بين كلّ ستّة مسنّين حول العالم يعاني شكلاً من أشكال الإساءة. لكنّ النسبة اليوم ارتفعت بلا شكّ، إذا أخذنا بعين الاعتبار ما نرتكبه في حقّ هؤلاء وسط أزمة كورونا. نحن مسؤولون بطريقة أو بأخرى. فلنحاول التكفير عمّا اقترفناه... ما زال الوقت متاحاً أمامنا والفرصة قد لا تتكرّر.
المساهمون