03 يوليو 2019
لا الناهية لمحمد بن سلمان
يتحدّى الفلسطينيون ضعفهم وانقسامهم وقلة حيلتهم، ليتدفقوا على خطوط التماس مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، عراةً إلا من إصرارهم على التمسك بحق العودة إلى ديارهم المحتلة، مهما كان الثمن، وذاك موقفٌ قد يبدو، في ظاهره، مجرد طقس روتيني، اعتادوا ممارسته منذ أن قدموا بعضاً من أجمل أبنائهم قرابين لتعميد الثلاثين من مارس/آذار عام 1976 يوماً للأرض ضد مغتصبيها.
لكن المشاركة الشعبية الهائلة في إحياء هذه المناسبة للمرة الثالثة والأربعين، لا سيما عند حدود قطاع غزة، والاستنفار السياسي والعسكري الإسرائيلي للرد عليها بالتحذيرات، ثم بالحديد والنار، يستدعيان التدقيق في السياق، لفهم الرسائل التي دوّنها الشعب الفلسطيني مجدّداً بدم ثلة جديدة من فلذات أكباده، والسياق يقول إن الأعداء، ومعهم الإخوة الأعداء، باتوا يظنون، أو لعلهم يتوهمون، بنضج الظرف الموضوعي لإنهاء الصراع مع إسرائيل، في مشروع يسمونه "صفقة القرن". فعلى مدى الشهور الستة عشر التي مرت منذ تولى الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، مهام منصبه، ظلت تتكشف شيئاً فشيئاً ملامح رؤية جديدة لتصفية القضية الفلسطينية، تقوم على تطبيع العلاقات بين إسرائيل وما تسميه الدول السنية المعتدلة، في إشارة إلى محور تقوده السعودية التي سرعان ما اتضح أن دورها في تمرير اللعبة هو بعض الثمن الذي ارتضى ولي عهدها محمد بن سلمان، أن يدفعه، إلى جانب مئات المليارات من الدولارات، كي تبارك واشنطن وتل أبيب صعوده إلى عرش بلاده.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن الدفع من حساب القضية الفلسطينية لاسترضاء الإدارة الأميركية ليس جديداً على السياسة السعودية، ومازال حاضراً في الأذهان كيف التفت الرياض على مطالب الإصلاح التي دعت إليها إدارة الرئيس جورج بوش بعد هجمات "11 سبتمبر" في 2001، بأن أطلقت مبادرة الأمير عبد الله (ولي العهد آنذاك والملك لاحقاً) التي كتبها الصحافي الأميركي توماس فريدمان، ثم تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002، خطة سلام ربطت التطبيع الإقليمي بشرط إقامة الدولة الفلسطينية، وامتنعت تل أبيب عن قبولها، لا بل ردت عليها حينئذ باجتياح مناطق السلطة الفلسطينية، ومحاصرة مقر الرئيس ياسر عرفات حتى موته، مسموماً ربما، ناهيك عن مواصلتها مشاريع التهويد والاستيطان، على مدى ستة عشر عاماً سبقت الوصول إلى صيغةٍ جديدة للتسوية، ملخصها؛ "العرش في مقابل التطبيع" وفق ما يتضح، على الأقل، من تصريحاتٍ أطلقها ابن سلمان أخيراً ليتسامح فيها مع الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى جانب إقراره بما سماه "حق الشعب اليهودي في أرضه".
وإزاء حالٍ كهذه، لم يكن أمام الفلسطينيين سوى أن يعيدوا تذكير كل أطراف اللعبة بأنهم ما زالوا يملكون القدرة على قول "لا" في وجه كل خطر وجودي يهدد مصيرهم الوطني. قالوها من قبل عبر إشعال انتفاضتهم الشعبية الأولى عام 1987 رداً على ملاحقة منظمة التحرير سياسياً وعسكرياً في أعقاب إخراجها من بيروت، كما قالوها لاحقاً من خلال تفجير انتفاضتهم الشعبية الثانية عام 2000، رداً على محاولة إدارة بيل كلينتون دفع عرفات إلى التخلي عن القدس في مفاوضات كامب ديفيد، ثم ها هم يكرّرون قولها اليوم رداً على مؤامرةٍ تبدو أشد خطراً من كل ما سبق.
وبعد، قد تتسع جيب بن سلمان لجاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي، وفق عبارة منسوبة إليه، وقد تتسع جيب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لثلاثتهم، ومعهم كل شركائهم، بدءاً من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وصولاً إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لكن جيوب هؤلاء جميعاً، ومعها عباءاتهم، ما زالت وستظل أصغر من أن تتسع لواحد من الشبان والشابات الذين يقفون الآن على خطوط التماس مع إسرائيل، مطلقين "لا الناهية" عن التفريط، وبدمهم يكتبونها على صفحات صفقة القرن.
لكن المشاركة الشعبية الهائلة في إحياء هذه المناسبة للمرة الثالثة والأربعين، لا سيما عند حدود قطاع غزة، والاستنفار السياسي والعسكري الإسرائيلي للرد عليها بالتحذيرات، ثم بالحديد والنار، يستدعيان التدقيق في السياق، لفهم الرسائل التي دوّنها الشعب الفلسطيني مجدّداً بدم ثلة جديدة من فلذات أكباده، والسياق يقول إن الأعداء، ومعهم الإخوة الأعداء، باتوا يظنون، أو لعلهم يتوهمون، بنضج الظرف الموضوعي لإنهاء الصراع مع إسرائيل، في مشروع يسمونه "صفقة القرن". فعلى مدى الشهور الستة عشر التي مرت منذ تولى الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، مهام منصبه، ظلت تتكشف شيئاً فشيئاً ملامح رؤية جديدة لتصفية القضية الفلسطينية، تقوم على تطبيع العلاقات بين إسرائيل وما تسميه الدول السنية المعتدلة، في إشارة إلى محور تقوده السعودية التي سرعان ما اتضح أن دورها في تمرير اللعبة هو بعض الثمن الذي ارتضى ولي عهدها محمد بن سلمان، أن يدفعه، إلى جانب مئات المليارات من الدولارات، كي تبارك واشنطن وتل أبيب صعوده إلى عرش بلاده.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن الدفع من حساب القضية الفلسطينية لاسترضاء الإدارة الأميركية ليس جديداً على السياسة السعودية، ومازال حاضراً في الأذهان كيف التفت الرياض على مطالب الإصلاح التي دعت إليها إدارة الرئيس جورج بوش بعد هجمات "11 سبتمبر" في 2001، بأن أطلقت مبادرة الأمير عبد الله (ولي العهد آنذاك والملك لاحقاً) التي كتبها الصحافي الأميركي توماس فريدمان، ثم تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002، خطة سلام ربطت التطبيع الإقليمي بشرط إقامة الدولة الفلسطينية، وامتنعت تل أبيب عن قبولها، لا بل ردت عليها حينئذ باجتياح مناطق السلطة الفلسطينية، ومحاصرة مقر الرئيس ياسر عرفات حتى موته، مسموماً ربما، ناهيك عن مواصلتها مشاريع التهويد والاستيطان، على مدى ستة عشر عاماً سبقت الوصول إلى صيغةٍ جديدة للتسوية، ملخصها؛ "العرش في مقابل التطبيع" وفق ما يتضح، على الأقل، من تصريحاتٍ أطلقها ابن سلمان أخيراً ليتسامح فيها مع الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى جانب إقراره بما سماه "حق الشعب اليهودي في أرضه".
وإزاء حالٍ كهذه، لم يكن أمام الفلسطينيين سوى أن يعيدوا تذكير كل أطراف اللعبة بأنهم ما زالوا يملكون القدرة على قول "لا" في وجه كل خطر وجودي يهدد مصيرهم الوطني. قالوها من قبل عبر إشعال انتفاضتهم الشعبية الأولى عام 1987 رداً على ملاحقة منظمة التحرير سياسياً وعسكرياً في أعقاب إخراجها من بيروت، كما قالوها لاحقاً من خلال تفجير انتفاضتهم الشعبية الثانية عام 2000، رداً على محاولة إدارة بيل كلينتون دفع عرفات إلى التخلي عن القدس في مفاوضات كامب ديفيد، ثم ها هم يكرّرون قولها اليوم رداً على مؤامرةٍ تبدو أشد خطراً من كل ما سبق.
وبعد، قد تتسع جيب بن سلمان لجاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي، وفق عبارة منسوبة إليه، وقد تتسع جيب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لثلاثتهم، ومعهم كل شركائهم، بدءاً من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وصولاً إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لكن جيوب هؤلاء جميعاً، ومعها عباءاتهم، ما زالت وستظل أصغر من أن تتسع لواحد من الشبان والشابات الذين يقفون الآن على خطوط التماس مع إسرائيل، مطلقين "لا الناهية" عن التفريط، وبدمهم يكتبونها على صفحات صفقة القرن.