نصحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في مقابلة تلفزيونيّة، اللاجئين السوريين بالتوجه إلى القرى والمدن الصغيرة، وعدم التمركز في المدن الكبيرة. صحيح أن الفكرة لا تبدو جذابة للوهلة الأولى، لكنهم سيلقون ترحيباً أكبر من السكان المحليين، ويكونون قادرين على الاندماج بشكل أفضل، بحسب ميركل. وعلى الأرجح، للمستشارة أسباب أخرى لتقديم هذه النصيحة، منها تركّز المهاجرين بشكل كبير في المدن الرئيسية.
إلّا أنّ عدداً من السوريّين كانوا قد استبقوا نصيحة ميركل، وقرّروا التمركز في المدن الصغيرة والقرى، ولكلّ أسبابه. منهم من فضّل الحياة الهادئة على صخب المدينة، خصوصاً بعد كل ما شهدوه خلال الحرب، أو سفرهم إلى ألمانيا. آخرون شعروا بأنّ التوجّه إلى مدينة كبيرة لن يكون مفيداً في ظلّ صعوبة تعلّم اللغة الألمانية. هؤلاء فضّلوا التقرّب من جيرانهم الألمان بدلاً من الانضمام إلى المجتمع السوري الذي بدأ يتشكّل في المدن الكبرى. آخرون أيضاً أرادوا الابتعاد كليّاً عن تجمّعات السوريّين في المدن الكبرى، والاحتفاظ بنوع من الخصوصيّة في مدينة صغيرة، حيث يمكن الحصول على دعم مباشر من ألمان مهتمين بقضية السوريين، علماً أن كثيرين حصلوا على الدعم الذي يرغبون به بسرعة، فوجدوا عملاً مناسباً أو نادياً رياضياً أو أصدقاء ألمان كانوا لهم سنداً في الغربة. وقرر البعض البقاء في قرية صغيرة لبعض الوقت، ريثما يتمكنون من تعلّم اللغة، لينتقلوا بعدها إلى مدينة كبيرة. إلا أن جزءاً لا يستهان به أيضاً من هؤلاء اعتاد الحياة في المدينة التي استقر فيها مع وصوله. من جهة أخرى، فإن قانون اللجوء الذي صدر حدّد حركة اللاجئين وأماكن استقرارهم.
فرص
لم يهتم عثمان بالتجمعات الكبرى للسوريين. إذ إن السياسة لا تعنيه، كما أنه ليس راغباً في إضاعة الوقت. أراد إتقان اللغة الألمانية قبل أي شيء، حتى لا تضيع سنوات عمره من دون تحقيق النجاح. هو شاب دمشقي، قدم إلى ألمانيا وأراد تعلّم اللغة وإيجاد عمل. "حين وصلت إلى هنا، سألت عن مكان للتدرّب على كرة القدم. وكان التحاقي في ناد رياضي أوّل خطوة في الاندماج، خصوصاً أنني أعشق كرة القدم". وقد أهله التزامه الانتقال إلى ناد خاص للهواة، يتطلب مهارات عالية.
يقول المدرب إن "عثمان شاب محترف. وفي المباراة الأولى، سجل هدفين. كما أن التزامه وجديّته وأخلاقه وانسجامه مع الفريق، جميعها عوامل أثبتت قدرته على الاندماج. نتمنى أن يكون قدوة لغيره من الشباب المهاجر".
أمّا فراس العلي وزوجته وشقيقه، فقد قرّروا البقاء في مدينة رودل شتات الصغيرة. يقول فراس: "فكرت في أنّني لو وجدت عملاً، سأبقى لأن الجو هادئ. لا أريد أكثر من هذه الطبيعة الرائعة وعمل".
اقــرأ أيضاً
فراس، وهو صيدلاني، تعلم اللغة بسرعة، فيما التحق أولاده بمدارس قريبة من المنزل. يقول: "الأهم بالنسبة لي كان إيجاد فرصة العمل. كان البعض يشكو من التعصب أو قلة الحركة وكثرة المسنين. لكنني ركزت على هدفي، ووجدت عملاً في صيدلية. ربّما لو كنت في مدينة كبيرة لكان هناك عشرات المنافسين. هنا، أنا السوري الصيدلاني الوحيد في رودل شتات، وقد حصلت على فرصة جيدة ودوام مريح". أما شقيقه، فيتدرب مع طبيب في المدينة نفسها، فيما تتابع زوجته دروس اللغة. يضيف: "هناك صعوبات في مدينة صغيرة لناحية توفر المواصلات. لكن لكل مكان سلبياته وإيجابياته".
عائلة
فضّلت بعض العائلات السوريّة الاستقرار في مدن صغيرة، حفاظاً على الحياة العائلية. من جهة أخرى، يعدّ هذا إيجابياً للأطفال ليتمكنوا من تعلّم اللغة أسرع. وتتميّز القرى بطابعها المحافظ، في ظل قلة نسبة الشباب. أمرٌ يقلّل من احتمال تصادم بعض العائلات السورية مع التحرر، على غرار المدن الكبرى.
تقول ليلى، وهي أم لثلاث فتيات: "الأهم بالنسبة إلينا كانت مدارس الأطفال. ابنتي في المدرسة حققت نجاحاً لافتاً باللغتين الانكليزية والألمانية، ونحن محاطون بالدعم من مكتب الاندماج في المدينة، عدا عن النشاطات التي تنظم على مدار الأسبوع، حتى أن الأطفال بدأوا يتكلمون اللغة بطلاقة".
بعض العائلات السوريّة لاقت دعماً سريعاً من أخرى ألمانية، على غرار عائلة إرسلان التي كانت آنا وتوباز داعمين لها. يقول توباز: "في البداية، أردنا المساعدة فقط. مع الوقت، أصبحت العائلة صديقة"، لافتاً إلى "أهميّة وجود دعم من المجتمع المحلي للاجئين في مناطقنا، إذ إن هذا يساعدهم على الاندماج وعدم تشكيل مجتمعات موازية، على غرار ما حصل مع الجالية التركية. الحياة في القرى والمدن الصغيرة ليست سهلة، لكن الحياة في المدن الكبرى تفرض صعوبات من نوع آخر". يقول حسام: "في البداية، كنت أعيش في مدينة صغيرة، ثم انتقلت إلى برلين، وعدت إلى المدينة التي كنت أعيش فيها. أولاً، نظام القطارات والباصات والمواصلات معقد للغاية، ويضيع وقت كثير في الزحمة. ثانياً، خلال عام ونصف العام، لم أحصل على غرفة معيشة خاصة بي، إذ إن الطلب كبير جداً والعرض قليل. ثالثاً، كان لدي أمل في تكوين صداقات وعلاقات مع الألمان، لكنني وجدت نفسي بين أصدقائي السوريين الذين أعرفهم سابقاً، والأهم أنني لم أطور لغتي أو أجد عملاً. الحياة في برلين رائعة، لكنني لم أحقق الأمور الأساسية. عدت إلى المدينة الصغيرة التي هجرتها بسبب قلة نسبة الشباب، لكنني أريد الاستقرار في النهاية".
اقــرأ أيضاً
إلّا أنّ عدداً من السوريّين كانوا قد استبقوا نصيحة ميركل، وقرّروا التمركز في المدن الصغيرة والقرى، ولكلّ أسبابه. منهم من فضّل الحياة الهادئة على صخب المدينة، خصوصاً بعد كل ما شهدوه خلال الحرب، أو سفرهم إلى ألمانيا. آخرون شعروا بأنّ التوجّه إلى مدينة كبيرة لن يكون مفيداً في ظلّ صعوبة تعلّم اللغة الألمانية. هؤلاء فضّلوا التقرّب من جيرانهم الألمان بدلاً من الانضمام إلى المجتمع السوري الذي بدأ يتشكّل في المدن الكبرى. آخرون أيضاً أرادوا الابتعاد كليّاً عن تجمّعات السوريّين في المدن الكبرى، والاحتفاظ بنوع من الخصوصيّة في مدينة صغيرة، حيث يمكن الحصول على دعم مباشر من ألمان مهتمين بقضية السوريين، علماً أن كثيرين حصلوا على الدعم الذي يرغبون به بسرعة، فوجدوا عملاً مناسباً أو نادياً رياضياً أو أصدقاء ألمان كانوا لهم سنداً في الغربة. وقرر البعض البقاء في قرية صغيرة لبعض الوقت، ريثما يتمكنون من تعلّم اللغة، لينتقلوا بعدها إلى مدينة كبيرة. إلا أن جزءاً لا يستهان به أيضاً من هؤلاء اعتاد الحياة في المدينة التي استقر فيها مع وصوله. من جهة أخرى، فإن قانون اللجوء الذي صدر حدّد حركة اللاجئين وأماكن استقرارهم.
فرص
لم يهتم عثمان بالتجمعات الكبرى للسوريين. إذ إن السياسة لا تعنيه، كما أنه ليس راغباً في إضاعة الوقت. أراد إتقان اللغة الألمانية قبل أي شيء، حتى لا تضيع سنوات عمره من دون تحقيق النجاح. هو شاب دمشقي، قدم إلى ألمانيا وأراد تعلّم اللغة وإيجاد عمل. "حين وصلت إلى هنا، سألت عن مكان للتدرّب على كرة القدم. وكان التحاقي في ناد رياضي أوّل خطوة في الاندماج، خصوصاً أنني أعشق كرة القدم". وقد أهله التزامه الانتقال إلى ناد خاص للهواة، يتطلب مهارات عالية.
يقول المدرب إن "عثمان شاب محترف. وفي المباراة الأولى، سجل هدفين. كما أن التزامه وجديّته وأخلاقه وانسجامه مع الفريق، جميعها عوامل أثبتت قدرته على الاندماج. نتمنى أن يكون قدوة لغيره من الشباب المهاجر".
أمّا فراس العلي وزوجته وشقيقه، فقد قرّروا البقاء في مدينة رودل شتات الصغيرة. يقول فراس: "فكرت في أنّني لو وجدت عملاً، سأبقى لأن الجو هادئ. لا أريد أكثر من هذه الطبيعة الرائعة وعمل".
فراس، وهو صيدلاني، تعلم اللغة بسرعة، فيما التحق أولاده بمدارس قريبة من المنزل. يقول: "الأهم بالنسبة لي كان إيجاد فرصة العمل. كان البعض يشكو من التعصب أو قلة الحركة وكثرة المسنين. لكنني ركزت على هدفي، ووجدت عملاً في صيدلية. ربّما لو كنت في مدينة كبيرة لكان هناك عشرات المنافسين. هنا، أنا السوري الصيدلاني الوحيد في رودل شتات، وقد حصلت على فرصة جيدة ودوام مريح". أما شقيقه، فيتدرب مع طبيب في المدينة نفسها، فيما تتابع زوجته دروس اللغة. يضيف: "هناك صعوبات في مدينة صغيرة لناحية توفر المواصلات. لكن لكل مكان سلبياته وإيجابياته".
عائلة
فضّلت بعض العائلات السوريّة الاستقرار في مدن صغيرة، حفاظاً على الحياة العائلية. من جهة أخرى، يعدّ هذا إيجابياً للأطفال ليتمكنوا من تعلّم اللغة أسرع. وتتميّز القرى بطابعها المحافظ، في ظل قلة نسبة الشباب. أمرٌ يقلّل من احتمال تصادم بعض العائلات السورية مع التحرر، على غرار المدن الكبرى.
تقول ليلى، وهي أم لثلاث فتيات: "الأهم بالنسبة إلينا كانت مدارس الأطفال. ابنتي في المدرسة حققت نجاحاً لافتاً باللغتين الانكليزية والألمانية، ونحن محاطون بالدعم من مكتب الاندماج في المدينة، عدا عن النشاطات التي تنظم على مدار الأسبوع، حتى أن الأطفال بدأوا يتكلمون اللغة بطلاقة".
بعض العائلات السوريّة لاقت دعماً سريعاً من أخرى ألمانية، على غرار عائلة إرسلان التي كانت آنا وتوباز داعمين لها. يقول توباز: "في البداية، أردنا المساعدة فقط. مع الوقت، أصبحت العائلة صديقة"، لافتاً إلى "أهميّة وجود دعم من المجتمع المحلي للاجئين في مناطقنا، إذ إن هذا يساعدهم على الاندماج وعدم تشكيل مجتمعات موازية، على غرار ما حصل مع الجالية التركية. الحياة في القرى والمدن الصغيرة ليست سهلة، لكن الحياة في المدن الكبرى تفرض صعوبات من نوع آخر". يقول حسام: "في البداية، كنت أعيش في مدينة صغيرة، ثم انتقلت إلى برلين، وعدت إلى المدينة التي كنت أعيش فيها. أولاً، نظام القطارات والباصات والمواصلات معقد للغاية، ويضيع وقت كثير في الزحمة. ثانياً، خلال عام ونصف العام، لم أحصل على غرفة معيشة خاصة بي، إذ إن الطلب كبير جداً والعرض قليل. ثالثاً، كان لدي أمل في تكوين صداقات وعلاقات مع الألمان، لكنني وجدت نفسي بين أصدقائي السوريين الذين أعرفهم سابقاً، والأهم أنني لم أطور لغتي أو أجد عملاً. الحياة في برلين رائعة، لكنني لم أحقق الأمور الأساسية. عدت إلى المدينة الصغيرة التي هجرتها بسبب قلة نسبة الشباب، لكنني أريد الاستقرار في النهاية".