لاجئات سعوديات... هل تنجح ألمانيا في حمايتهنّ من التهديد؟

12 ابريل 2019
هل راودهنّ طلب اللجوء يوماً؟ (فايز نورالدين/ فرانس برس)
+ الخط -

قبل أشهر، ذاع صيت رهف القنون، تلك الشابة السعودية التي هربت من عائلتها لتستقبلها كندا لاجئة. هي ليست المواطنة السعودية الأولى التي طلبت اللجوء إلى الغرب هرباً من التضييق في بلادها، فقد سبقها سعوديون كثر

"السفارة السعودية أعطتنا معلومات عنكما. سوف تفقدان حياتكما". رسالة تهديد تلقتها نورا ومشاعل، سعوديتان قصدتا برلين طلباً للجوء، وهي واحدة من بين رسائل مشابهة عدّة تتلقاها لاجئات سعوديات في ألمانيا على هواتفهنّ. منذ نحو شهرَين، فبراير/ شباط الماضي، وحتى إبريل/ نيسان الجاري، تعيش سعوديات لاجئات "وضعاً نفسياً صعباً وترهيباً لا يُحتمل"، بحسب تقارير إعلامية وحقوقية ألمانية وأوروبية تتابع تطورات تزايد فرار السعوديين من وطنهم نحو الغرب.

الخوف والقلق الدائمان يسيطران على مئات اللاجئين السعوديين في الغرب، وفقاً لما تبيّنه تقارير متزايدة حولهم. في السابق، كانت أخبار هؤلاء في الإعلام الغربي تبدو غريبة، لكنّ تزايد فرار السعوديين من وطنهم يفرض نفسه، بحسب ما أفادت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في يناير/ كانون الثاني الماضي. فقد أشارت إلى زيادة عددهم بنسبة 318 في المائة في عام 2017 بالمقارنة مع عام 2012، موضحة أنّ طلبات لجوء وحماية عدّة تُقدَّم بعيداً عن الأضواء خشية انعكاس الأمر على أهالي هؤلاء السعوديين.

تربط تقارير صحافية وحقوقية غربية ما بين تصدّر وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان المشهد في بلاده وبين توثيق الأمم المتحدة 815 طلب لجوء سعوديا من مواطنين ذكور وإناث لعام 2017، في حين أنّ عدد طلبات اللجوء لم يصل إلى 200 طلب في عام 2012. أمّا في العام الأخير، فقد تخطّى عدد طالبي اللجوء السعوديين 1200 شخص. يُذكر أنّ ثمّة سياسة تعتيم مقصودة من قبل السعودية وممثلياتها حول عدد مواطنيها اللاجئين إلى الغرب.

تخوين وتعقّب

في بداية العام الجاري 2019، سلّطت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية الضوء على قضية لجوء السعوديين، وربطت زيادتهم بقضية رهف القنون وكذلك مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2018. في ألمانيا، خصوصاً في ولاية ساكسونيا - أنهالت لوحدها، سجّلت وزارة الداخلية في فبرابر/ شباط الماضي وصول 146 طالب لجوء سعوديا من الجنسَين. وحتى إبريل/ نيسان الجاري، حصل نحو 100 منهم على حقّ اللجوء بينما تستمر دراسة الطلبات الأخرى، مع وصول فارين آخرين من السعودية.

روان وريم تنتظران مصيرهما في مطار هونغ هونغ (أنطوني والاس/ فرانس برس)


ويواجه السعوديون الفارون نحو ألمانيا، كما هي حال كلّ الفارين نحو الغرب، حملات تخوين وتحريض كبيرة بحسب التقارير الإعلامية والحقوقية ذات الصلة. ويبدو أنّ السفارة السعودية في ألمانيا، وفقاً لتلك التقارير تتعقّب هؤلاء مستفيدة من القوانين المحلية. فقوانين الإقامة ما بعد اللجوء تقضي ببقاء اللاجئ مدّة ثلاثة أعوام في المدينة نفسها التي حصل فيها على لجوئه، بالتالي ترى المنظمات المهتمة أنّ من شأن ذلك أن يسهّل تعقبهم وحصر مناطق وجودهم. وفي مدينة هلبرشتات (ولاية ساكسونيا - أنهالت) التي لا يتجاوز عدد سكانها 45 ألف نسمة، يبدو "تمركز اللاجئين السعوديين مرئياً لمن يلاحقهم وكأنّك تضعهم في وعاء ذهبي"، بحسب تصريح لمدير "منظمة إغاثة اللاجئين" ستيفان باينتنير. يُذكر أنّ وزارة الداخلية وعدت أخيراً بإيجاد "استثناءات في الإطار القانوني لتجاوز حظر انتقال اللاجئين السعوديين إلى مناطق أخرى أكثر أماناً في ألمانيا".

أفراد من الأسرة المالكة

تفيد تقارير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" بأنّ عدد الوافدين السعوديين إلى ألمانيا والمملكة المتحدة ازداد في خلال عامَي 2018 و2019، ويبدو أنّ تلك التقارير تحرج الرياض مع انتشارها في الغرب، خصوصاً أنّه يشار إلى أفراد من الأسرة المالكة على أنّهم لاجئون. ويبرز في الصحافة الألمانية اسم الأمير خالد بن فرحان آل سعود الذي اختار العيش في "المنفى الألماني". وبعد ورود أخبار مقلقة عن محاولة استهدافه وعن مساع كثيرة من قبل سفارة السعودية في برلين للتواصل معه، قدّمت له ألمانيا أخيراً حماية أمنية. والمحاولات التي تأتي بها السفارة أو جهات تابعة لها للوصول إلى مقيمين ومقيمات سعوديين على الأراضي الألمانية بصفة لاجئين، بيّنها تقرير خاص أعدّته قناة "دوتشيه فيلي" الألمانية في فبراير/ شباط الماضي.



تجدر الإشارة إلى أنّ حياة اللاجئين السعوديين في الغرب، سواء في ألمانيا أو السويد أو غيرهما، ليست طبيعية كاللاجئين الآخرين من دول عربية عدّة. من بين هؤلاء نساء سعوديات حصلنَ على حقّ اللجوء في خلال الأعوام القليلة الماضية وبتنَ أكثر عرضة للمراقبة والعيش تحت تهديد مستمر بالتصفية الجسدية، خصوصاً بعد مقتل خاشقجي.

تهديد بـ"صيغة عربية"
تشير رسالة تهديد تلقّتها إحدى اللاجئات السعوديات في ألمانيا أخيراً، إلى أنّ السعوديين قادرون على الوصول إليها، مضيفة: "أين ستختبئين؟ نعرف أنّك لست في شقتك، وسوف نصل إليك حتى لو ذهبت إلى آخر الدنيا. لدينا أشخاص سوف يصلون إليك". أعاد هذا التهديد مجدداً الإضاءة على الشكوك المتزايدة حول دور السفارة السعودية في ملاحقة اللاجئين، بحسب تقارير ألمانية ربطت الأمر بتعيين سفير جديد في برلين، هو فيصل بن فرحان. ويبدو الأمر واضحاً إذ إنّ الرسالة المشارة إليها آنفاً أقرّت بدور السفارة: "هل تظنين أنّنا لا نعرف أين أنت؟ السفارة السعودية أعطتنا المعلومات، سوف تفقدين حياتك!". يُذكر أنّ الشابة المشار إليها هي واحدة من أربع شابات لجأنَ إلى ألمانيا ويعشنَ اليوم متخفيات في ظل حماية السلطات. وهؤلاء الشابات أكّدنَ أنّ سفارة السعودية في برلين تلاحقهنّ في منفاهنّ الألماني.

رهف القنون عند وصولها إلى مطار تورونتو (كول بورستون/ Getty)



بالنسبة إلى باينتنير، فإنّ ملاحقة السفارة اللاجئين السعوديين والتهديدات التي يتعرّضون لها "تتعلق أساساً بتوجّه سعودي مركزي يهدف إلى منع السعوديات من استلهام فكرة الهرب والعيش بحرية، إذ في إمكان ذلك أن يشكّل كرة ثلج". هذا ما صرّح به في حديث إلى صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية في الخامس من إبريل/ نيسان الجاري. ويؤكد الخبير في قضايا اللجوء الذي تعمل منظمته على حماية بعض السعوديين من الملاحقات والاستهداف، من خلال مكاتب المنظمة في كولن (غرب)، أنّ الملاحقات التي تنفّذها السفارة السعودية في برلين تتمّ من خلال بعض اللاجئين العرب في ألمانيا، فيراقبون السعوديين والسعوديات الوافدين بدءاً من مرحلة الاستقبال في مخيمات اللجوء. يُشار إلى أنّ "منظمة إغاثة اللاجئين" التي يديرها باينتنير تقدّم المساعدة إلى اللاجئين الفارين من القمع والاضطهاد، خصوصاً العلمانيين واللادينيين الهاربين من دول تضطهدهم، لكنّها تقف كذلك إلى جانب كل اللاجئين الذين يطلبون مساعدتها القانونية.

سوابق

تشير تقارير صحافية وأخرى تعود إلى منظمات غير حكومية وجهات حقوقية إلى دور ممثليات السعودية في ملاحقة الراغبين في طلب الحماية والعيش في دول اللجوء، مرتكزة على سوابق في هذا السياق. وتتناول تلك التقارير ما جرى في هونغ كونغ في سبتمبر/ أيلول الماضي للشقيقتَين روان (18 عاماً) وريم (20 عاماً)، علماً أنّ الاسمَين مستعارَان. هما هربتا من أسرتهما في أثناء إجازة عائلية في سريلانكا ووجهتهما مطار ملبورن في أستراليا، بحسب ما أفاد وكيلهما المحامي مايكل فيلدر. أضاف أنّه عند وصولهما إلى مطار هونغ كونغ، كانت القنصلية السعودية قد نجحت في تتبعهما وبيّنت أنّها تملك نفوذاً كبيراً لدى الخطوط الجوية السريلانكية، إذ إنّها تمكّنت من حجز جوازَي سفرهما وتذكرتَيهما نحو أستراليا، وتمّ إبلاغهما بأنّهما سوف تغادران عبر دبي إلى الرياض. ولفت فيلدر إلى أنّ حضور نائب القنصل السعودي وتهديدهما لثنيهما عن الاستمرار في رحلتهما والعودة إلى السعودية، لم يأتيا بأيّ نتيجة. وبعد حدوث جلبة كبيرة استعادتا جوازي سفرهما، علماً أنّ القنصلية السعودية كانت قد ألغتهما، لكنّ فيلدر استطاع تأمين 13 مكاناً آمناً لهما تنقلتا بينها، وهما تنتظران الآن الحصول على موافقة دولة ثالثة لمنحهما اللجوء.



من جهتها، لم تكن الشابة دينا علي (24 عاماً) محظوظة مثل روان وريم ولم تنجح في الإفلات من القنصلية السعودية. وقد ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنّ دينا تعرّضت لعملية اختطاف بشعة من مطار مانيلا في الفيليبين في عام 2017، وتمّ تكبيلها وتكميمها وسحلها نحو إحدى الطائرات أمام شهود عيان بهدف نقلها إلى الرياض. "ومنذ ذلك الوقت، لا أحد يعلم ما هو مصير الشابة... هي إمّا سُجنت وإمّا قُتلت".

على الرغم من ادعاء السلطات السعودية، خصوصاً بعد قضية رهف القنون، أنّ فرار شابات سعوديات يُصنّف من ضمن القضايا العائلية وأنّ لا علاقة للدولة بها، فإنّ تقارير حقوقية (من بينها تقارير لمنظمة العفو الدولية ولمنظمة هيومن رايتس ووتش) وشهادات لاجئين سعوديين في الصحافة الغربية تؤكد أنّ القوانين التي تسمح باضطهاد المرأة وتجعلها خاضعة تماماً للتحكّم والسيطرة الاجتماعية هي من الأسباب الرئيسية التي تدفع الشابات إلى الفرار، تُضاف إليها رعاية الدولة لتلك الممارسات ومساعدة الأسر على تتبّع واستعادة الهاربات.
المساهمون