إضافة إلى مناقشتها لقضايا التراث الثقافي والطبيعي في العالم، أعلنت "لجنة التراث العالمي" التابعة لمنظمة اليونسكو عن عدد من المواقع التي أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي، ضمن تقليد سنوي بات يحبس أنفاس البعض ويشد انتباه جهات مختلفة في العالم سنوياً سواء على المستوى الرسمي حيث تتنافس دول على إقناع اللجنة من خلال ملفات وحملات دعاية، وأيضاً على مستوى إعلامي وجماهيري، نظراً لكون الحصول على هذا التصنيف يخلق جاذبية (سياحية خصوصاً) للأماكن "المطوَّبة" ومحيطها.
أبرز ما يمكن تسجيله في اجتماعات الدورة الأخيرة لـ"لجنة التراث العالمي"، التي اختتمت في الرابع من الشهر الجاري، في المنامة (بعيداً عن الدعاية السياسية التي اشتراها النظام في البحرين بهذه الاستضافة كمحاولة للتغطية على ملف انتهاكات حقوق الإنسان المتفاقم في البلاد) هو التركيز على التراث الطبيعي، فقد أدرجت مواقع مثل هضبة تاهوكان كويكاتلان في المكسيك، وجبال بابرتون ماكونجوا في أفريقيا الجنوبية، ومنطقة فانجيسهان في الصين، ومنطقة ليماني في وسط فرنسا.
هذا الاهتمام بـ"التراث الطبيعي" يبدو مثل تجاوب من اللجنة لإشكاليات كثيراً ما صعّدتها المنظمات البيئية، وعلماء الجيولوجيا والمناخ، وكثيراً ما كانت منظمة اليونسكو متهمة بالتقصير في مسائل الحفاظ على الطبيعة وتورّطها في تسويات جعلت من الثقافي والتاريخي أولوية نظراً للمردود الاقتصادي المحتمل لتصنيف مواقع مثل المعالم التاريخية أو الدينية.
رغم ذلك، لم تغفل "قائمة 2018" عن تصنيف عدد من المواقع ذات البعد التاريخي ومنها نذكر تصنيف موقع "المدينة الزهراء" في قرطبة الإسبانية؛ والتي مثلت لفترة طويلة مركز الجزيرة الإيبيرية إبان الحكم الإسلامي، واعتبرها كثير من المؤرّخين المركز الثقافي الأول في العالم في القرون الوسطى.
وكان عبد الرحمن الداخل قد أسّس المدينة الزهراء داخل قرطبة في القرن العاشر ميلادي جاعلاً منها عاصمة داخل عاصمة "الخلافة" الأموية. قرطبة نفسها كانت شاهدة على الانشقاق الإسلامي في الأندلس، حيث بنى المنصور بن أبي عامر بعد سنوات مدينة فرعية جديدة سمّاها "المدينة الزاهرة"، وقد جعل منها مركز الحكم الجديد، مهمّشاً دور "الزهراء".
هذا التهميش يبدو بمعنى من المعاني مستمراً إلى اليوم، ففي أحد عناوين الصحافة الإسبانية المستبشرة بنجاح ملف تصنيف المدينة الزهراء جرت الإشارة إلى أن قرطبة مدينة قد دخلت إلى النسيان منذ قرابة ألف عام، وحان الوقت لتستعيد شيئاً من ألقها القديم. ضمن هذه الفرحة، هل ينسى الإسبان أن المدينة الزهراء فكرة عربية طالما تعرضت جذورها وإسهامها الحضاري للاجتثاث؟ ويمكن حتى أن نقلب السؤال: هل يتذكّر العرب ذلك؟
مسألة الإرث العربي في إسبانيا اليوم ليست حنيناً إلى الماضي بقدر ما هي حق في الاعتراف بفضل الحضارة العربية الإسلامية، الاعتذار الإسباني أيضاً عما لحق بالأندلسيين المسلمين من إبادة مادية ومعنوية.