لاءات مائعة في جدل إسرائيلي

26 اغسطس 2014

جنازة قائد لواء جولاني الذي قتلته المقاومة في غزة(21يوليو/2014/Getty)

+ الخط -

عديدة التوصيفات التي أُطلقت على حرب غزة (طبعة 2014)، فمن حملة "الجرف الصامد" إلى "المعركة"، كما وصفت أخيراً، إلى "حرب الاستنزاف" التي لا تحتملها إسرائيل الآن. ووسط استمرار الحرب، مهما تكن توصيفاتها وصفاتها، تستمر حرب داحس والغبراء الإسرائيلية، داخل المجلس الوزاري المصغّر (الكابينيت) وخارجه، وفي صفوف الائتلاف الحكومي، في حين تستمر حملات المعارضة وانتقاداتها للحكومة وللحرب ولمجمل منظومة السلوك الحكومي، منذ ما قبل الحرب وفي أثنائها، وصولاً إلى المفاوضات الجارية لوقفها.
 
وفيما كان الجيش الإسرائيلي يستعدّ لإبعاد ما سمّاه تهديد قذائف الهاون، كان مسؤولون إسرائيليون يلمحون إلى أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يفضّل العودة إلى محادثات التسوية في القاهرة في أقرب وقت، ومشيرين إلى أن إسرائيل لا تتحمّل حرب استنزاف، وأن نتنياهو قد يسارع إلى إحياء المبادرة المصرية، لإغلاق الطريق أمام قرار دولي لا يأخذ في الاعتبار "المصالح الإسرائيلية".

وفي لقائه مع رؤساء المجالس في المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، قال "وزير الجيش"، موشيه يعالون، إن "الهدف الرئيسي، في الوقت الراهن، إنهاء الحملة العسكرية"، وأفاد بأن نزع السلاح من غزة ليس على جدول الأعمال حالياً، وأن إسرائيل لن تتحمل واقع حرب الاستنزاف.

وهكذا بات واضحاً أن تواضع الحديث الحكومي الإسرائيلي عن أهداف الحرب، واستجداء تسوية سياسية، وتراجع الحديث عن نزع سلاح المقاومة، يعكس أزمةً في إسرائيل اليوم، قلما تعرضت لها في تاريخ حروبها، بل قلما عانت من أزمة سياسية كالتي أضحت حكومة الائتلاف ومجلسها الوزاري المصغّر تعيشها، في وضع أكثر تباعداً في مواقف أعضائها، وعدم وجود إجماع، لا سياسي ولا عسكري، على أي أهداف موحّدة.

باختصار، يعتبر ما يجري خلف الكواليس، وفقاً لتوصيفات إعلامية إسرائيلية، أكبر خلاف سياسي في تاريخ الحكومات الإسرائيلية. ففي حين وجّهت أحزاب العمل وكاديما وشاس انتقاداتٍ شديدة اللهجة ضد وزراء الكابنيت الحاليين، متهمة إياهم باستغلال مكانتهم لحسابات شخصية وحزبية سياسية، رفضت أحزاب المعارضة الانضمام إلى الائتلاف الحكومي الحالي، وإن لم ترفض دخولها نهائياً، في أعقاب عرض وزير الاستخبارات في الحكومة الإسرائيلية، يوفال شتاينتس، على أحزاب المعارضة الانضمام للائتلاف الحكومي الحالي، ونقل عنه عدم استحسانه توجيه الانتقادات إلى نتنياهو في أثناء "العملية"، مدعياً أن الأخير يدير العملية العسكرية بحكمة وعقلانية، وهو مَن يتحمّل كل المسؤولية، بينما لا يتحمل أي من الوزراء جزءاً، ولو بسيطاً، من المسؤولية في هذه الحرب.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن وزير الجيش السابق، شاؤول موفاز، قوله إن أعضاء المجلس الوزاري المصغر لا يمتلكون الخبرة، ويستغلون مكانتهم لتحقيق مكاسب سياسية خاصة. وتطرق إلى تسريباتٍ تخرج من المجلس الوزاري المصغر، وقال إنه لا يتذكر أن إسرائيل عايشت مثل هذه الحالة من التسريبات، ولفت إلى أن ذلك يساعد الفصائل الفلسطينية في تحقيق النصر.

والتصريحات التي تثير الاهتمام في الأوساط السياسية في إسرائيل، هي التي صدرت عن مسؤولين في الأحزاب المتزمتة، حيث نقل عن مسؤولين في حزب شاس قولهم "إنه يتوجب على الحزب توفير شبكة أمان لنتنياهو، بحيث يمكنه من أن يسمح لبعض مَن وصفوهم بالمشاغبين بالاستقالة من الكابنيت"، مؤكدين أن نتنياهو يعلم أن حزب شاس يدعمه.

في هذه الأجواء المشحونة، نقلت صحيفة "معاريف" عن مسؤول سياسي قوله إن نتنياهو يفضّل التوجّه، بأسرع وقت ممكن، إلى تسوية سياسية، وقال: "على الرغم من تزايد قصف القذائف الصاروخية، في نهاية الأسبوع، فإن نتنياهو يفضّل إنهاء الحملة العسكرية باتفاق بوساطة مصرية، لكن، ليس بأي ثمن". ففي حين يقال إن المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار لا تزال سارية، إلا أن "إسرائيل لن تعود إلى طاولة المحادثات، طالما تواصل إطلاق القذائف الصاروخية".

وفي وقت بات واضحاً من التصريحات المعلنة أن نتنياهو ووزير الجيش، موشيه يعالون، لا يرغبان بتوسيع العمليات، ولا يتمتعان بدعم دولي صلب لمثل هذه الخطوة، في الوقت نفسه الذي يجري التلويح فيه بأن توسيع الحملة العسكرية لا يزال خياراً، في حين ما زال شن عملية برية ثانية على جدول الأعمال.

ولهذا، فإن إسرائيل أمام خيارين للتسوية: قرار من مجلس الأمن الدولي، والعودة إلى طاولة المحادثات في القاهرة. ففيما ذُكر أن المقترح الأوروبي الذي تعمل الدول الغربية عليه سيكون جاهزاً خلال أيام، فإن إسرائيل تسعى إلى التأثير على فحواه. بينما ذُكر أن نتنياهو يفضّل تجديد محادثات القاهرة لكبح مشروع القرار الأممي الذي لا يخدم المصالح الإسرائيلية بالقدر الكافي، فيما ذكرت صحف إسرائيلية أن مشروع القرار، الذي تدفع به بريطانيا وفرنسا وألمانيا بدعم أميركي، يثير قلق إسرائيل، كونه يتضمن دعوة لتجديد المفاوضات مع الفلسطينيين، على أساس حدود عام 1967.

هكذا، بين اللاءات الإسرائيلية المائعة، والـ"لعم" الملغّمة، يستمر الجدل الإسرائيلي البيزنطي في شأن الحرب، كما في شأن التسوية التي يمكن التوصل إليها، سواء عبر المبادرة المصرية أو المبادرة الأوروبية ـ الأميركية التي قد تصبح مشروع قرار أممي، في ظل مساعٍ إسرائيلية إلى تعديلها، بحيث يجري التغاضي عن الدعوة إلى المفاوضات مع الفلسطينيين، وهي عقدة أساس من عقد موقف إسرائيلي "لا يحول ولا يزول"، منذ أكثر من عقد، فحواه عدم تقديم تنازلات عن أراضٍ تحت الاحتلال، في الضفة الغربية والقدس.

 ولكن، قبل هذا، ما طبيعة التسوية السياسية التي يسعى نتنياهو ومفاوضوه لإقرارها في القاهرة، في شأن غزه وصواريخها ومقاومتها؟ هنا مربط الفرس، وهنا المسألة التي تتوقف عليها تكتيكات ومواقف استراتيجية أبعد لإسرائيل التي ما حبّذت يوماً "تسويات التراضي"، بل انحازت دوماً "لتسويات الإكراه".

47584A08-581B-42EA-A993-63CB54048E47
ماجد الشيخ

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لبنان. مواليد 1954. عمل في الصحافة الكويتية منذ منتصف السبعينات إلى 1986، أقام في قبرص، وعمل مراسلا لصحف عربية. ينشر مقالاته ودراساته في عدة صحف لبنانية وعربية.