ليس شائعاً أن نجد دراسات يابانية متخصّصة في منطقة المشرق العربي أو ربما لم يكترث الباحث والدارس العربي باستقصاء هذا الجانب، فالمراكز البحثية العربية مهتمة غالباً بالدراسات الغربية ونقلها وترجمتها لاعتبارٍ خاطئ كرّسه تاريخ من هيمنة الثقافة الغربية ومضمونه أن الآخر بالنسبة إلى العربي هو الغربي.
غير أن الباحثة اليابانية كيكو ساكاي (1959) كانت من الأكاديميا اليابانية التي كسرت القاعة وبدأت بتطوير دراسات متخصّصة في العراق، وعزّزت ذلك بالتحاقها بالسفارة اليابانية في بغداد بين عامي 1986 و1989، وعند عودتها بنت حقلاً كاملاً كأستاذة متخصّصة في شؤون دراسات العراق وتاريخه السياسي الحديث، وكانت واحدة من أبرز الأسماء في الجيل الثالث من حقل "الاستعراب الياباني" المعاصر.
اعتمدت ساكاي معايير جديدة في دراساتها عن العالم العربي اختلفت عن رؤية الجيل الأول الموسومة بالكولونيالية، والجيل الثاني الذي كان يسارياً في توجهاته لكنه اعتمدت المنهج الغربي في الدراسات العربية، التي تعاطفت مع قضايا العرب التحريرية من جهة دون أن تخلو من نظرة استشراقية من جهة أخرى.
أما جيل ساكاي فقد عمِد إلى دراسة اللغة العربية والثقافة الاجتماعية، وقام بزيارة البلدان العربية والعيش فيها لفترات، وبنى رؤية ومنهجاً خاصاً بعيداً عن المنهج الغربي.
في هذا السياق، أصدرت دار "الرافدين" و"مكتبة عدنان" في بغداد قبل أيام، كتاباً بعنوان "كيكو ساكاي وتطور الدراسات العراقية في اليابان" من تأليف الباحث ياسر علاء أسود ومراجعة وتقديم الأكاديمي محمود القيسي.
يحاول الكتاب تقديم رؤية يابانية للواقع العراقي من خلال السيرة الأكاديمية لهذه الباحثة، التي رأت وفقاً للكاتب أن تاريخ العراق هو أساس لفهم سياسته ومجتمعه وأن ثورة العشرين هي محور استندت عليه التطورات الفكرية العراقية اللاحقة.
جاء في مقدمة العمل أنه "محاولة لدراسة وتتبع تطوّر الاستعراب الياباني عموماً وتطوّر الدراسات العراقية في اليابان من خلال ساكاي التي تعد بحق رائدة وعميدة للدراسات العراقية في اليابان منذ بداية عملها البحثي والأكاديمي في بداية ثمانينيات القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر".
تعمل ساكاي أستاذة التاريخ السياسي الحديث للشرق الأوسط في "جامعة تشيبا" منذ عام 2012، بعد أن عملت أستاذة للدراسات الشرق أوسطية في "جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية" منذ عام 2005، وهي أول باحثة يابانية تتخصّص في العراق.
وضعت المستعربة عدّة دراسات بنت بعضها على دراسة الشخصية العراقية والثقافة الشعبية، من بينها دراسة عن المطبخ العراقي ودراسات سياسية من بينها "مشاركة الفاعلين الدوليين غير الغربيين في عراق ما بعد الحرب"، ودراسة حول "الأحزاب السياسية والشبكات الاجتماعية في العراق 1908 -1920"، إلى جانب عدة دراسات حول الطائفية في العراق، وعلاقتها بالنظام الأمني، كما قدّمت عدّة أوراق حول القبلية وأخرى حول داعش، وكتبت دراسة حول الانتفاضة الشعبانية في العراق عام 1991.