كيف نقرأ رواية؟

28 يناير 2016
شكلت قواعد الكتابة الإبداعية فوارق جوهرية(فرانس برس)
+ الخط -
منذ سنوات كنت أشعر أن الرواية تحتوي على شغف لا يماثله حد، كنت أقرأ من أجل السفر عبر الزمن لعصور مختلفة، وذكريات متعددة لما يقوم به غيري، أن أسبح في عقل أحدهم دون أن أكشف له عن أفكاري، يا لها من متعة!


هل سألت نفسك - وأنت القارئ غير المتخصص - كيف يمكنك الحكم على العمل الإبداعي؟! هل وقفت طويلا أمام أحد الكتّاب تنتقد أعماله، وتشعر بالسخط منه لأنه تجرّأ وقدّم لك شيئاً غير جدير باهتمامك؟ ربما تدفعك فورة الغضب إلى أن تلقي عمله من بين يديك وأنت تلعن الشخص الذي أضاع مالك هدرا، ولم يقدم لك المتعة التي ترغب؟

كم من المرات قمت بإغلاق الكتب، عند أول النص؟ عند منتصف الكتاب؟ أم قبل النهاية بقليل؟.. تتوقف هكذا فجأة دون سابق إنذار، أو سبب يذكر! تتوقف رغم حصول العمل بين يديك على تقييم مرتفع في أحد مواقع الكتب، أو إحدى الجوائز المعروفة في عالم الأدب.

كانت المتعة الأهم من القراءة هي رواية الحكايات ونقلها، ولكن مع تطور الإبداع تغيّرت مهمة النص، من نص إبداعي يقدم حكايات طريفة معربة عن اللغات الأخرى إلى نص تاريخي يستظل بنص روائي كي يقدم من خلاله الرؤى المختلفة للفترات التاريخية القديمة والمعاصرة، أو للعودة إلى القديم الذي لم يتغيّر عن الحاضر المعاصر سوى في أسماء المدن والشخصيات.

يختلف القارئ، فهناك القارئ العادي، والقارئ المثقف، والقارئ المتخصص، يختلف تلقي النص من قارئ إلى آخر، هذا الاختلاف شكل فارقا جوهريا ومدمرا لكثير من النصوص.

كما شكلت قواعد الكتابة الإبداعية فارقا آخر جوهرياً، دعا بعضهم للخروج عنها، ما نتج عنه نصوص مشوّهة، ربما تكون الأقرب لفئة عمرية معينة، أو لبعض الطامحين لمشاهد خارجة في بعض النصوص، أو قارئ مبتدئ يقرأ النص منبهرا بقدرة أحدهم على كتابة مجموعة من الأفكار التي تدور في رأسه ولا يعرف سبيلا للحديث عنها أو كتابتها.

ترى بعض الناقدات النسويات، من مثل: سيمون دي بوفوار، أن الكتّاب يقدمون في نصوصهم خبراتهم مع المرأة التي تكون بالتالي توجها معينا في التعامل مع صورة المرأة داخل المجتمع، خاصة مع سهولة وقرب النصوص المكتوبة من العامة، وعدم قدرة الأهل والمجتمع على وضع القيود عليها، أو رفض ما يصدر من خلالها لجميع الأعمار بحجة أن هذا نمط من الإبداع لا يمكن تركه أو تخلف القراءة عنه.

قديما في فترات عهد الأزدهار والإبداع في التعليم المصري، كانت تقدم النصوص الإبداعية الهامة، مثل غادة رشيد أو ألف ليلة وليلة، في نسخ مهذبة كي لا تقع بالخطأ، كان هذا قديما يسمى بمعيار النقد الأخلاقي الذي يهذب النص ويقومه.

مع تطور الزمن وتطور طرق الكتابة ونقدها، ظهرت مجموعة من المناهج التي تتيح للكاتب/ة أن يقدم من خلال نصه ما يراه يخدم العمل الإبداعي. لأن النصوص الإبداعية محض خيال وإن تخللتها مجموعة من الحقائق أو التاريخ.

تطورت النصوص الروائية في فترة قصيرة نسبيا بالنسبة لعمر هذا الفن، فقدم لنا المبدعون، فعرف العالم الرواية التعليمية، والروايات المعربة، مثل رواية لقاء تحت شجرة الزيزفون لمصطفى لطفي المنفلوطي، والرواية التاريخية التي ظهرت على يد سليمان البستاني وجورجي زيدان، وتطورت على أيدي مجموعة هائلة من الكتّاب المعاصرين أمثال رضوى عاشور ومحمد المنسي قنديل ويوسف زيدان وصنع الله إبراهيم، وإسماعيل فهد إسماعيل، وواسيني الأعرج، والطاهر بن جلون.. وغيرهم، حيث أصبح نمط الكتابة الروائية التاريخية هو النمط المسيطر على الساحة العربية، والرواية التحليلية التي ازدهرت على أيدي محمود تيمور، طاهر لاشين، وعيسى عبيد، ورواية السيرة الذاتية حيث قدم الروائيون الشخصيات الذاتية من خلال نصوصهم، كان محمد حسين هيكل، وطه حسين، وتوفيق الحكيم، والعقاد، وعبد القادر المازني أهم رواد هذا النمط.

أما الرواية الفنية، فقد تطورت على أيدي نجيب محفوظ، وعبد الرحمن الشرقاوي، وصالح مرسي، ويوسف إدريس، وعبد الستار خليف.

وللحديث بقية

(مصر)