ما أن "انتصر" النظام في حلب، أو بالأحرى دمرها، حتى تخلى عن أهاليها، فبعد أن احتفى بهم لأنهم نزحوا إلى مناطق الساحل، وصورهم يمدحونه ويشكرونه، وهيأ صورة عالمية لاستقبال أهالي الساحل لهم، لنفي صفة الطائفية عن عقلية النظام أمام العالم، وبالغ في جعل الرسميين من صناع القرار في النظام يقفون لاستقبالهم ويفتحون الأبواب لهم. أما الآن فلا نجد خبراً أو تغطية إعلامية واحدة عن حلب.
فما أن عادت حلب حتى أخفاها النظام، وأخفى أهاليها، وأجبرهم في مناطق نزوحهم خارج مدينة حلب على العودة إليها، من دون السماح لأي جهاز إعلامي رسمي أو تابع للنظام بتغطية أحوالهم. اختفوا من كل مكان وخاصة من مدينتهم عن طريق الإعلام.
ولا يُصور النظام تقارير إعلامية واسعة المدى عن حلب، رغم اعتياده على المبالغة الشديدة في تصوير السكان بعد أي "انتصار" يحرزه على المعارضة في المناطق التي تعود لحكمه. وتكتفي الوفود التي يُرسلها النظام لمعاينة المدينة بالوقوف أمام قلعة حلب التاريخية والتصوير التلفزيوني أمامها، أو التصوير داخل مجمعات صغيرة لم تتعرض لها يد الحرب والقصف المُدمر للنظام.
حوّل النظام ما سمّاه "انتصار حلب" إلى دعاية سياسية قهرية على المعارضة، ومحاولة لإثبات النفوذ والسيطرة أمام العالم. واكتفى من العودة إليها بجعلها ورقة بيده أمام حدث سياسي. ولا يهتم النظام إلى راحة السكان، أو طرق عيشهم، أو حتى أوضاع المدينة.
ومن خلال متابعة سريعة لما يكتبه الحلبيون العائدون وأوضاعهم، تبيّن أنهم عادوا إلى الخلاء، وبعض المخيمات القريبة من بيوتهم، من دون أي عون أو مساعدة من لجان دولية أو النظام. ويلجأ النظام إلى الانكفاء عن حلب مشهدياً، ويمنع عنها أي منبر إعلامي، وحتى يُمنع وصول مواطن حلبي إلى إذاعة أو صحيفة للحديث عنها، خاصة أن الناس يعانون الأمرين تحت إدارة المليشيات الموالية للنظام التي لم تنسحب بعد من المدينة، والنظام يلجأ لاختصار الوجود المليشيوي لإزاحة أذرع إيران من الواجهة الإعلامية، وذلك تحت إلحاح روسي لجعل الانتصار بعيداً عن الكسب الإيراني.
هذا الإهمال لنتائج الانتصار وأبعاده، منشأه الوحيد مقدار تدمير النظام للمدينة، وفزع النظام من معاينة الناس لأضرار تدمير أكبر وأقدم مدينة سورية، رغم أن التيار الموالي للنظام لا يُبالي بتاريخ المدينة أو أبعاد وجودها. ولم ولن يُسمح لعلماء آثار أو بحاثة تاريخيين بالحديث عن حجم الدمار وآثاره وقيمته. هذه الإزاحة نفيٌ جديد لمدينة كاملة وما تحويه من سكان. حلب التي اختفت الآن تصلح لورقة مرافعة أمام العالم رغم كل دمارها.