13 فبراير 2022
كيف نفهم ما يحدث في السعودية؟
ثمّة تفسيران لما تمر به السعودية حالياً من تغيّراتٍ، وتحولاتٍ سريعة، على الصعيدين الداخلي والخارجي. الأول أننا إزاء عملية إعادة تأسيس جذرية للدولة السعودية الثالثة التي ظهرت على يد المؤسس الراحل، الملك عبد العزيز آل سعود، أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، وذلك تمهيداً لقيام دولة رابعة جديدة، يترسخ فيها الحكم في يد فرعٍ واحد من العائلة، بعد أن كان موزّعاً بين أبناء الملك المؤسس طوال العقود الثمانية الماضية، والتي تداول فيها العرش سبعة ملوك بدءًا من الملك سعود بن عبد العزيز الذي تولى العرش عام 1953 وحتى الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز الذي تولى العرش عقب رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز في يناير/ كانون الأول 2015. يقود هذه العملية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تحت رعاية (وكنف) والده. أما التفسير الثاني فهو أننا إزاء حالةٍ من التخبط والتهور، ناجمة عن محاولة ولي العهد المتعجلة القبض على مفاصل السلطة في السعودية بأي شكل، وفي أسرع وقت ممكن. وهو ما يتسبب في حالةٍ من الارتباك، بسبب ضعف الخبرة السياسية لولي العهد، ومحاولته أولاً ضمان عدم وجود معارضة داخل العائلة المالكة لتوليه العرش خلفاً لوالده، في ظل وجود من هو أحق بالمُلك منه. وثانياً بناء أساس جديد للشرعية، يتجاوز الأساس التقليدي الذي قام على التحالف التقليدي بين المؤسستين، الدينية والقبلية.
التفسير الأول يعني أن ثمّة رؤية استراتيجية تقف خلف التغيرات الحالية، وأن ثمّة تخطيطاً مسبقاً للأمر جرى وضعه ورسمه منذ فترة، وكان فقط بانتظار نضوج الظروف المحلية والإقليمية والدولية للبدء في تنفيذه. ومن يتابع الصعود السريع لولي العهد في العامين الأخيرين، يكتشف أن الأمر لم يحدث مصادفة، وإنما تم تدبيره على مهلٍ، وبدهاء شديد.
فالرجل انتقل من الظل إلى صدارة المشهد السعودي بسرعة الصاروخ، وبشكلٍ لم يحدث من قبل مع من سبقوه. ما يثير سؤالاً مهماً حول دور الملك سلمان نفسه في وضع هذا السيناريو وإخفائه، سواء منذ أصبح وزيراً للدفاع بعد رحيل أخيه الأمير سلطان بن عبد العزيز في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، أو خلال ولايته للعهد التي صعد إليها بعد وفاة شقيقه الأمير نايف بن عبد العزيز، واستمرت عامين ونصف العام تحت حكم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. وما يدعم هذا التفسير هو عملية التخلص من مراكز القوى المؤثرة طوال العامين الماضيين، فضلاً عن الإحلال العائلي لصالح جيل أحفاد الملك عبد العزيز التي جرت تحت السطح، ودفعت بعضهم إلى عدة مناصب مؤثرة، مثلما هي الحال مع وزير الداخلية الحالي، الأمير عبد العزيز بن سعود (30 عاماً) الذي تم تصعيده في يونيو/ حزيران الماضي، عقب إطاحة ولي العهد السابق، الأمير محمد بن نايف، وخالد بن سلمان (29 عاماً) سفير السعودية لدى واشنطن وغيرهما. بكلماتٍ أخرى، فإن عملية تصعيد محمد بن سلمان، وفق هذا السيناريو، تنبع من رؤيةٍ أوسع، هدفها إعادة تشكيل المملكة بشكل جذري.
التفسير الثاني يعني أنه في إطار سعي ولي العهد الحالي إلى تعضيد فرصه في الوصول إلى العرش، فإنه يلجأ إلى أسلوب "الصدمة"، من أجل إرباك الخصوم، وعدم إعطائهم فرصةً للرد على تحرّكاته، وهو ما يعني أخذ قرارات متعجّلة وغير مسبوقة، بغض النظر عن نتائجها. وهو ما يدفع به إلى طرح مبادراتٍ، والقيام بمغامراتٍ سياسية، داخلياً وخارجياً، من أجل دعم شرعيته الناشئة، وإبراز قدرته على الحكم. لذا، لم يكن غريباً أن يبدأ عهد الملك سلمان بمغامرةٍ عسكريةٍ في اليمن، عبر ما سُميت "عاصفة الحزم"، والتي رفعت أسهمه عالياً عند بدايتها، قبل أن تتحول كابوساً وورطة سياسية لا يعرف كيف يخرج منها الآن. كذلك قام محمد بن سلمان بالتصعيد مع إيران، في إطار عملية حشدٍ وتعبئةٍ طائفية، أكسبته زخماً ودعماً شعبياً لدى قطاعات واسعة. ولحق ذلك بطرح رؤيته الاقتصادية "رؤية 2030"، من أجل كسب ثقة الشباب السعودي وتأييده، ثم جاءت حملته أخيرا على الفساد، لتعزيز صورته شخصا حازما
وقويا لا يتورع عن تنفيذ وعوده، وإن كان ذلك على حساب بعض أفراد العائلة الحاكمة. وهنا، ينطلق محمد بن سلمان من قناعة أنه "إما الآن أو لا". ويبدو كمن قفز فوق شجرة، ولا يريد أن ينزل عنها. لذا، عليه الاستمرار في إجراءاته ومغامراته، حتى يستقر له الأمر.
كلا التفسيرين يشترطان ثلاثة أمور من أجل تحققهما: أولها ضمان عدم وجود معارضة للسياسات الجديدة التي يتبعها ولي العهد، خصوصا من داخل الأسرة المالكة، وهو ما قد يفسر ما يحدث منذ أسبوع من إجراءاتٍ وقراراتٍ طاولت نحو 11 أميراً من المؤثرين اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. وثانيها، ضمان توفير الدعم الداخلي لهذه الإجراءات والقرارات، وهو ما يفسر الترويج السياسي والإعلامي غير المحدود لها. وثالثها، ضمان الدعم الخارجي لهذه الإجراءات، خصوصا من الولايات المتحدة.
وبغض النظر عن نجاعة أي من التفسيرين لما يحدث حالياً في المملكة، فإن نتيجتهما واحدة، هي دعم سيطرة ولي العهد على المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية في السعودية، كما أنهما يحملان القدر نفسه من المجازفة وعدم اليقين اللذيْن يخيّمان على مستقبل المملكة والمنطقة.
التفسير الأول يعني أن ثمّة رؤية استراتيجية تقف خلف التغيرات الحالية، وأن ثمّة تخطيطاً مسبقاً للأمر جرى وضعه ورسمه منذ فترة، وكان فقط بانتظار نضوج الظروف المحلية والإقليمية والدولية للبدء في تنفيذه. ومن يتابع الصعود السريع لولي العهد في العامين الأخيرين، يكتشف أن الأمر لم يحدث مصادفة، وإنما تم تدبيره على مهلٍ، وبدهاء شديد.
التفسير الثاني يعني أنه في إطار سعي ولي العهد الحالي إلى تعضيد فرصه في الوصول إلى العرش، فإنه يلجأ إلى أسلوب "الصدمة"، من أجل إرباك الخصوم، وعدم إعطائهم فرصةً للرد على تحرّكاته، وهو ما يعني أخذ قرارات متعجّلة وغير مسبوقة، بغض النظر عن نتائجها. وهو ما يدفع به إلى طرح مبادراتٍ، والقيام بمغامراتٍ سياسية، داخلياً وخارجياً، من أجل دعم شرعيته الناشئة، وإبراز قدرته على الحكم. لذا، لم يكن غريباً أن يبدأ عهد الملك سلمان بمغامرةٍ عسكريةٍ في اليمن، عبر ما سُميت "عاصفة الحزم"، والتي رفعت أسهمه عالياً عند بدايتها، قبل أن تتحول كابوساً وورطة سياسية لا يعرف كيف يخرج منها الآن. كذلك قام محمد بن سلمان بالتصعيد مع إيران، في إطار عملية حشدٍ وتعبئةٍ طائفية، أكسبته زخماً ودعماً شعبياً لدى قطاعات واسعة. ولحق ذلك بطرح رؤيته الاقتصادية "رؤية 2030"، من أجل كسب ثقة الشباب السعودي وتأييده، ثم جاءت حملته أخيرا على الفساد، لتعزيز صورته شخصا حازما
كلا التفسيرين يشترطان ثلاثة أمور من أجل تحققهما: أولها ضمان عدم وجود معارضة للسياسات الجديدة التي يتبعها ولي العهد، خصوصا من داخل الأسرة المالكة، وهو ما قد يفسر ما يحدث منذ أسبوع من إجراءاتٍ وقراراتٍ طاولت نحو 11 أميراً من المؤثرين اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. وثانيها، ضمان توفير الدعم الداخلي لهذه الإجراءات والقرارات، وهو ما يفسر الترويج السياسي والإعلامي غير المحدود لها. وثالثها، ضمان الدعم الخارجي لهذه الإجراءات، خصوصا من الولايات المتحدة.
وبغض النظر عن نجاعة أي من التفسيرين لما يحدث حالياً في المملكة، فإن نتيجتهما واحدة، هي دعم سيطرة ولي العهد على المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية في السعودية، كما أنهما يحملان القدر نفسه من المجازفة وعدم اليقين اللذيْن يخيّمان على مستقبل المملكة والمنطقة.