كيف خسر الديمقراطيون الكونغرس الأميركي؟

11 نوفمبر 2014

مرشحة الديمقراطيين عن ولاية كنتاكي أليسون غرايمز(3نوفمبر/2014/Getty)

+ الخط -

جرت قبل أسبوع انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي (مجلسي النواب والشيوخ) وهي انتخابات تجري كل عامين، من أجل تجديد انتخاب أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 وثلث أعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم 100 عضو، فضلا عن انتخاب حكام الولايات. وقد نجح الحزب الجمهوري في الاحتفاظ بالأغلبية في مجلس النواب (244 مقعدا مقابل 184 للديمقراطيين) ولكنه أيضا فاز بأغلبية مجلس الشيوخ الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون طيلة السنوات الماضية، بواقع 52 مقعدا مقابل 46 للديمقراطيين ولا يزال مقعدان شاغرين، لكنهما لن يغيرا كثيرا من النتيجة النهائية. كما فاز الحزب الجمهوري أيضا بأغلبية مقاعد حكام الولايات على حساب مرشحي الحزب الديمقراطي.

نتائج الانتخابات تمثل لطمة قوية للديمقراطيين، وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يتهمه البعض بالتسبب في هذه الخسارة التاريخية، بسبب فشل سياساته وضعف أدائه طيلة العامين الأخيرين. ولكنْ قليل من التمحيص والتدقيق يكشف أن الموضوع يتجاوز مثل هذا التحليل السطحي. فخسارة الديمقراطيين كانت أمراً متوقعاً ليس فقط بسبب ضعف وفشل أوباما حسب ما يقول خصومه، وإنما بالأساس بسبب طبيعة العملية الانتخابية وموازين القوة لكل طرف، ناهيك عن نسبة التصويت ونوعيته. وقبل استعراض هذه العوامل، تجب الإشارة إلى أنه من النادر أن يفوز الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس الأميركي بانتخابات التجديد النصفي، خصوصاً في فترة ولايته الثانية، والاستثناء الوحيد من ذلك طيلة العقدين الماضيين كان رئاسة بيل كلينتون في النصف الثاني من التسعينيات. ولعل إحدى مزايا وخصائص النظام السياسي الأميركي أنه يقوم على فكرة التوازن بين السلطات check-and-balance حيث يقوم الكونغرس بكبح جماح البيت الأبيض والعكس صحيح، وذلك من أجل تحقيق قدر عالٍ من الرقابة والمحاسبة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

فمن جهة أولى، فإن نسبة التصويت في الانتخابات الأخيرة للتجديد النصفي للكونغرس تكاد تكون الأقل في تاريخ الانتخابات الأميركية (في العادة لا تحظى انتخابات الكونغرس بنفس الاهتمام بالانتخابات الرئاسية) حيث لن تتجاوز نسبة التصويت حسب بعض الإحصاءات الأولية نسبة الأربعين في المائة من إجمالي أصوات الناخبين. ومن الملاحظ أن هذه النسبة تزداد بين الفئات العمرية الشابة (ما بين 18-29 عاما) وتقل بين الفئات الأكبر سناً، والذين يميلون للتصويت للجمهوريين كما حدث هذه المرة، حيث بلغت نسبة المصوتين ما بين (45-64) نحو 57 في المائة معظمهم صوّت لصالح الجمهوريين.

ومن جهة ثانية نجح المرشحون الجمهوريون في الربط بين ضعف أداء أوباما ومرشحي الحزب الديمقراطي، رغم أن بعض هؤلاء يختلف في رؤيته وسياساته عن تلك التي يتبعها أوباما. أي أنه تصويت احتجاجي على أوباما أكثر منه تصويت لصالح الحزب الجمهوري. فحسب استطلاع لمركز "بيو" الأميركي جرى في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن نحو 30 في المائة من الذين قالوا إنهم سيصوتون للحزب الجمهوري، فعلوا ذلك احتجاجاً على سياسات الرئيس أوباما خاصة في مجال السياسة الخارجية. وقد ساهم الخلاف بين أوباما وبعض مرشحي الحزب الديمقراطي في خسارتهم للانتخابات، وهو الخلاف الذي كان علنياً وعلى صفحات الجرائد وشاشات التلفزة طيلة الشهور القليلة الماضية. وقد وجه أوباما اللوم لأولئك المرشحين من حزبه الذين حاولوا الفوز في الانتخابات من خلال إلقاء اللوم عليه وتحميله مسؤولية الفشل الذي روّجه الجمهوريون بذكاء.

ومن جهة ثالثة، لم يحظ الحزب الديمقراطي بنفسة درجة الإقبال والتصويت بين الكتل التصويتية النوعية، مثل النساء والأفارقة والناخبين من أصول لاتينية مثلما حدث في الانتخابات الرئاسية لأوباما في 2008 و2010. فحسب كثير من التقارير واستطلاعات الرأي فقد كان إقبال هؤلاء ضعيفاً في انتخابات التجديد النصفي، بل وقد صوت بعضهم لصالح مرشحي الحزب الجمهوري من النساء، والذين زاد عددهم عن مرشحات الحزب الديمقراطي.

ومن جهة رابعة، فقد رفض كثير من الناخبين التصويت لمرشحي الحزب الديمقراطي، بسبب المواقف الليبرالية للرئيس أوباما والحزب الديمقراطي، خاصة في القضايا الاجتماعية والثقافية الجدلية مثل حق الإجهاض وزواج المثليين، ناهيك عن الملف الأكثر التهاباً وهو ملف الهجرة وتقنين أوضاع ملايين المهاجرين غير الشرعيين في أميركا. حيث يحاول أوباما السماح لهؤلاء المهاجرين بالحصول على أوراق رسمية والإقامة في الولايات المتحدة، في حين يرفض الجمهوريون ذلك. وهو أمر سوف يكون محل خلاف شديد بين البيت الأبيض والكونغرس الأميركي خلال المرحلة المقبلة.

وأخيراً، فقد فشل الحزب الديمقراطي في ضخ أسماء ووجوه جديدة في الانتخابات الأخيرة. ويتحدث البعض عن فشل الجيل الحالي من السياسيين داخل الحزب، وعدم قدرتهم على إحداث نقلة نوعية في أدائه السياسي، وذلك من أجل إقناع الناخب الأميركي للتصويت لهم. في المقابل، نجح الحزب الجمهوري في ضخ وجوه جديدة، وأنفق أموالاً طائلة من أجل تحسين صورة الحزب في الإعلام وبين الناخبين.

بعد سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، فإنه من المتوقع أن يقع كثير من الخلافات والصدامات بين أوباما والجمهوريين، خاصة في قضيتي الهجرة والرعاية الصحية. ويتوقع البعض أن يصل الصدام إلى حد عزل الكونغرس أوباما، إذا ما أصرّ على مخالفة الكونغرس والمضي قدماً في سياساته؛ وهو أمر ربما يبدو مستبعداً في ظل واقعية أوباما وبراغماتيته.

A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".