وأعلنت الحكومات سلسلة من التدابير الجديدة، التي من شأنها زيادة حجم الإيرادات العامة لتخفيض نسب العجز، وخاصة أن بعض الدول النفطية تعاني من نقص الإيرادات المالية بعد انخفاض أسعار النفط عالمياً منذ منتصف العام 2014.
وللخروج من هذا المأزق، ركبت هذه الدول موجة التوسع في فرض الضرائب، وتقليص الإنفاق العام للسيطرة على العجز وتراجع الإيرادات العامة.
في المقابل، يجد المواطن العربي المثقل بالأعباء المعيشية من جهة، والمحاصر بارتفاع الأسعار المتكرر من جهة أخرى، نفسه أسير سياسات خاطئة اتبعتها العديد من الأنظمة العربية لعقود، وهو مطالب اليوم بدفع ثمن هذه الأخطاء عبر زيادة الضرائب والرسوم التي تمس قوته اليومي.
ويتبين من خلال رصد "العربي الجديد"، للموازنات الجديدة، أنها جاءت مثقلة بالعجز، وحاولت الحكومات تنويع الإيرادات عبر إطلاق سلسلة من الضرائب، في مقدمها الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الانتقائية وضريبة المبيعات، بالإضافة إلى ترشيد الإنفاق العام، وضبط المصروفات، ناهيك عن تعويم العملات المحلية والسماح بتراجعها مقابل الدولار، وتقليص الدعم، والامتناع عن التعيينات والترقيات في القطاع العام.
وبالرغم من أن هذه السياسات يعتبرها الكثير من الخبراء فاشلة، إلا أن الحكومات تصفها بالإصلاحات التي من شأنها النهوض باقتصاد البلاد، وزيادة نسب النمو.
ويقول خبراء الاقتصاد إن السياسات الجديدة التي تتبعها الحكومات العربية، باسم الإصلاحات الاقتصادية، هي سياسات فاشلة، كونها تحمل المواطن البسيط المزيد من الضرائب والرسوم. وفي المقابل، تقلص الإنفاق العام على المشاريع التنموية التي تساهم في زيادة الإنتاج.
ويؤكد هؤلاء أن تنويع الاقتصاد المحلي، يبدأ من خلال اتباع سياسات مدروسة في فرض الضرائب بدلاً من تلك المتبعة لزيادة الأعباء المعيشية، بالإضافة إلى زيادة المشاريع التنموية التي تخلق ملايين فرص العمل وتؤدي إلى زيادة الإنتاج.
في هذا التقرير، نتعرف على أبرز الآليات التي اتبعتها الدول العربية لزيادة الإيرادات العامة، وخفض العجز العام في موازانتها لعام 2018.
السعودية
أعلنت السعودية الموازنة العامة لعام 2018، بنسبة عجز تصل إلى 52 مليار دولار. واعتمدت السعودية مجموعة من الإجراءات لزيادة الإيرادات المالية، بعد انخفاض أسعار النفط إلى أكثر من النصف منذ العام 2014، حيث انهارت الإيرادات المالية في البلاد.
وبحسب الأرقام المعلنة، تبلغ الإيرادات المستهدفة نحو 783 مليار ريال، في حين يصل حجم الإنفاق إلى 978 مليار ريال (نحو 261 مليار دولار)، بعجز يبلغ 195 مليار ريال، أي نحو 52.8 مليار دولار.
ومن أبرز الإجراءات التي قامت بها الحكومة لسد الدين، الاقتراض الداخلي والخارجي عن طريق سندات الدين. كما لجأت السعودية إلى فرض الضرائب الانتقائية، والتي توفر لها نحو 9 مليارات ريال، بالإضافة إلى فرض الضريبة على القيمة المضافة، والتي من المتوقع أن تؤمن إيرادات مالية تصل إلى 23 مليار ريال. ناهيك عن فرض الرسوم والضرائب على الأفراد والشركات، وزيادة الرسوم على الوافدين.
وبحسب البيانات، فإن الإيرادات المالية التي تجنيها الحكومة تصل إلى 85 مليار ريال. كما تعمل السلطات على زيادة أسعار الوقود، ورفع الرسوم الجمركية.
قطر
أعلنت قطر موازنتها لعام 2018، وبالرغم من الحصار الجائر المفروض عليها من قبل السعودية، الإمارات، البحرين، فضلا عن مصر، إلا أنها تمكنت من اعتماد موازنة تصل فيها الإيرادات إلى أكثر من 175 مليار ريال، أي نحو 48.1 مليار دولار، لتسجل بذلك ارتفاعاً قيمته 2.9% مقارنة بإيرادات العام 2017. وذكرت وزارة المالية أن السبب وراء هذا الارتفاع يعود إلى زيادة العائدات غير النفطية.
ومن المتوقع أن يبلغ عجز الموازنة 28.1 مليار ريال (نحو 7.6 مليارات دولار)، بانخفاض نسبته 1.1% مقارنة بالعجز المسجل في 2017. لكن وكالة موديز تتوقع تحقيق الموازنة القطرية فائضا وليس عجزا في العام الجديد.
وتقدر قيمة النفقات المتوقعة خلال عام 2018 بمبلغ 203.2 مليارات ريال (نحو 55.8 مليار دولار)، بارتفاع نسبته 2.4% مقارنة بالنفقات المسجلة في عام 2017، التي بلغت 198.5 مليار ريال.
وبحسب الخبراء، فإن العجز في الموازنة سيتم تمويله من خلال إصدار سندات الدين في العام 2018.
الكويت
تراهن الكويت في موازنتها القادمة على وقف الهدر في الإنفاق الحكومي، بحسب ما أعلنته الحكومة، كما تسعى إلى ترشيد الإنفاق العام وضبط المصاريف، ووضع أسقف للإنفاق على المشاريع.
وأعلنت وزارة المالية في وقت سابق أنها تعتزم إصدار سندات في 2018. وكانت الحكومة قد أعلنت سابقاً تنويع اقتصادها بعيداً عن الإيرادات النفطية، خاصة بعد انهيار الأسعار عالمياً.
وبحسب الأرقام، فإن من المتوقع أن يتراوح حجم الموازنة بين 19 و20 مليار دينار، أي نحو 66 مليار دولار، وبحسب التوقعات، فإن العجز لن يبلغ أكثر من 1.2 مليار دينار، أي نحو 3.9 مليارات دولار.
الإمارات
لجأت الإمارات إلى فرض المزيد من الضرائب لتمويل الموازنة بعد فرض الضريبة الانتقائية في الربع الأخير من العام 2017 وذلك بنسبة 5%. ومطلع عام 2018، أقرت الضريبة على القيمة المضافة.
كما قررت أيضا زيادة أسعار الطاقة في السوق المحلية.
العراق
يتجه العراق إلى إقرار موازنة 2018 وسط العديد من الإجراءات التقشفية الجديدة التي تستهدف المواطن. وبحسب مشروع الموازنة، فإن حجمها بلغ 96 مليار دولار، مع عجز يصل إلى 11 مليار دولار.
ويعتمد العراق بشكل رئيسي على الإيرادات النفطية، حيث يوفر النفط أكثر من 85% من حجم العائدات المالية، ومن بين الإجراءات المتخذة لخفض الإنفاق وزياد الإيرادات المالية، اتباع سياسات تقشفية، والتوقف عن التعيينات والترقيات في وظائف القطاع العام، بالإضافة إلى اقتطاع ضريبة من رواتب موظفي القطاع العام.
مصر
بلغت قيمة الموازنة الحالية (2017 - 2018) حوالي 1.48 تريليون جنيه مصري (84 مليار دولار تقريبا)، وبنسبة عجز متوقعة 9.5%، بينما لم تعلن الحكومة بعد عن موازنة 2018 - 2019 التي تبدأ في الأول من يوليو/تموز المقبل.
وتستهدف الموازنة الجديدة ضبط العجز عند مستوى 8.5% وخفض الدين العام.
ولمواجهة الأوضاع المالية الصعبة، تلجأ الحكومة إلى اتباع سياسة تقشف صارمة، منها زيادة الضرائب والرسوم. وبحسب الأرقام، تصل مساهمة الضرائب في خفض العجز إلى 14.5% من الناتج المحلي.
وكانت الحكومة المصرية قد بدأت بإقرار عدة خطوات لمواجهة العجز، منها خفض الدعم على الطاقة، تعويم الجنيه، إقرار الضريبة على القيمة المضافة، رفع أسعار الكهرباء.
السودان
بعد رفع العقوبات الأميركية جزئياً عن السودان، بدأ الأخير باتباع سياسات اقتصادية وإجراءات متنوعة لزيادة الإيرادات المالية. وبحسب البيانات الرسمية، فإن موازنة 2018 تبلغ نفقاتها نحو 173 مليار جنيه (9.6 مليارات دولار)، وبعجز متوقع 28.4 مليار جنيه (1.6 مليار دولار تقريبا)، وبما يمثل 2.4% من حجم الناتج الحلي الإجمالي.
ولمواجهة الأزمة المالية، عمدت السلطات إلى خفض الإنفاق الحكومي، ومكافحة التهرب الضريبي، بالإضافة إلى اتخاذها إجراءات لتوحيد سعر الصرف في البلاد.
المغرب
وصف أعضاء الحكومة المغربية موازنة العام 2018 بأنها موازنة ذات بعد اجتماعي. وبحسب البيانات الرسمية، فإن قيمة الموازنة تبلغ (26.8 مليار دولار)، وتتوقع الحكومة ارتفاع المداخيل الجارية للميزانية العامة بنسبة 4.3% إلى 236.81 مليار درهم (25.2 مليار دولار)، وزيادة النفقات الجارية للميزانية العامة بنحو 3% إلى مستوى 215.83 مليار درهم (23 مليار دولار).
واتخذت الحكومة العديد من الإجراءات التي من شأنها زيادة الإيرادات، منها محاصرة كتلة الأجور والتي تصل إلى 10.9 مليارات دولار، بالإضافة إلى حصر نفقات الدعم في حدود 1.4 مليار دولار، بالإضافة إلى ما تجنيه الضرائب من إيرادات، والتي تغطي نحو 62% من حجم الإنفاق العام.
ليبيا
يسعى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني إلى إعداد موازنة واحدة بين الحكومتين الموجودتين في طرابلس وطبرق لترشيد الإنفاق العام. وتعول الدولة الليبية على إنتاج بين 1.3 مليون برميل إلى 1.5 مليون برميل نفط يومياً.
وبحسب مصادر مسؤولة، فإنه من المقرر أن تراوح قيمة الموازنة بين 37 مليار دينار و45 مليار دينار، أي ما بين 26 مليار دولار و32.7 مليار دولار. وتعمد السلطات في موازنة العام 2018 إلى تقليص الإنفاق العام وتعديل سعر الصرف الرسمي، وتقليص الإنفاق العام.
الجزائر
يعيش الجزائر في أزمة مالية منذ انهيار أسعار النفط عام 2014، إذ إن البلاد تعتمد بشكل رئيسي على الإيرادات النفطية. وبحسب الأرقام، فإن موازنة 2018 تستهدف الحصول على إيرادات مالية تقدر بنحو 6521 مليار دينار (56 مليار دولار)، في المقابل، فإن الإنفاق يصل إلى نحو 8628 مليار دينار (76 مليار دولار)، ما يعني أن العجز يقدر بنحو 20 مليار دولار.
ولمواجهة العجز، اتخذت الحكومة العديد من الإجراءات التقشفية، والتي تتمثل في زيادة الرسوم الجمركية، وفرض المزيد من الضرائب، منها ضرائب على العقارات، والتبغ والكحول، بالإضافة إلى تقليص ميزانية التسيير إلى نحو 10%، كما اتخذت الحكومة خطوات عديدة، منها تراجع مستويات التوظيف في القطاع العام، وزيادة أسعار الوقود، ناهيك عن تجميد المشاريع الحيوية، وتقليص ميزانيات الدفاع والصحة وغيرها.
تونس
تسير تونس أيضاً في موجة الإجراءات التقشفية وزيادة الضرائب لخفض نسب العجز في البلاد، وقد اعتمدت تونس على فرض المزيد من الضرائب على الأفراد والشركات، بالإضافة إلى فرض ضرائب على السيارات المستوردة، وعلى المشروبات الكحولية، والاتصالات الهاتفية، وزيادة أسعار الإنترنت، ناهيك عن إقرار الضريبة على القيمة المضافة، بالإضافة إلى زيادة الرسوم الجمركية، وتقليص الدعم، وتجميد الانتدابات في القطاع الحكومي.
وبحسب الأرقام، يصل حجم الموازنة إلى 14.55 مليار دولار، فيما يبلغ حجم العجز نحو 4.9% من الناتج المحلي.