واصل المسيحيون في سيناء النزوح عن المنطقة، وسط تساؤلات عن كيفية اختراق تنظيم "ولاية سيناء"، التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، منطقة العريش، التي كانت تعتبر آمنة، إذ كانت العمليات العسكرية للجيش المصري تتركز ضد "ولاية سيناء" في مدينتي الشيخ زويد ورفح، منذ بدايتها قبل نحو ثلاثة أعوام ونصف العام.
وقال المسؤول في الكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية، نبيل شكر الله، لوكالة "أسوشييتد برس"، إن أكثر من مائة عائلة، أي نحو 500 شخص، فروا من مدينة العريش والمناطق القريبة منها، مروا على الكنيسة منذ الجمعة الماضي. وأضاف أن العائلات تصل خائفة ومنهكة، وفي حاجة إلى مؤن يتم تخزينها في الكنيسة عبر التبرعات التي تأتي من العديد من الأبرشيات. ويتم إسكان العائلات التي تصل إلى المدينة في منازل خاصة وأخرى توفرها الحكومة حالياً. وكان تنظيم "داعش" بث قبل أسبوع شريط فيديو توعد فيه باستهداف المسيحيين في مصر. وسبق أن تعرض المسيحيون في سيناء لاعتداءات، إلا أن الهجمات ازدادت بعد بث شريط الفيديو.
وكانت مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء آمنة، إذ تركزت العمليات العسكرية للجيش المصري ضد تنظيم "ولاية سيناء" في مدينتي الشيخ زويد ورفح، منذ بدايتها قبل نحو ثلاثة أعوام ونصف العام، إلا أن العريش باتت خارج السيطرة. وتركزت عمليات "ولاية سيناء"، الذي أعلن مبايعته "داعش"، على مدار أكثر من عام خارج المدينة، عبر استهداف الكمائن الثابتة، قبل أن ينقل عملياته إلى قلب المدينة. وقررت عشرات الأسر المسيحية الهجرة الجماعية من مدينة العريش، قبل أيام، بعد قتْل التنظيم المسلح سبعة مسيحيين منذ مطلع فبراير/شباط الحالي، في خطوة تهدف إلى فقدان سيطرة الدولة على المدينة.
وبحسب مصادر قبلية ومراقبين فإن هناك عدة عوامل ساعدت في اختراق تنظيم "ولاية سيناء" مدينة العريش، في حين تراجعت سيطرة القوات المشتركة، من الجيش والشرطة، على الأوضاع في المدينة، بخلاف فقدان السيطرة على مدينتي الشيخ زويد ورفح. وكشفت مصادر خاصة في سيناء، عن تخصيص "ولاية سيناء" لمجموعة مسلحة لتنفيذ عمليات في مدينة العريش خلال الفترة الماضية. وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن التنظيم يتمركز بشكل أساسي في منطقة وسط سيناء، لكنه يكثّف من عملياته في مدينة العريش، باعتبار مدينتي الشيخ زويد ورفح لا يوجد بهما قوات للجيش أو الشرطة، لكن فقط يتم الاعتماد فقط على الحملات العسكرية. وأضافت أن التنظيم يسعى لتكرار سيناريو الشيخ زويد ورفح في مدينة العريش، لناحية إجبار قوات الجيش والشرطة على عدم التواجد بشكل كبير في العريش، وهو ما تحقق جزء كبير منه، إذ إن الكمائن فقط تكون خارج المدينة. ولفتت إلى أن كمائن الجيش والشرطة تتمركز خارج المدينة، وعلى الطريق من العريش إلى رفح، وهو ما سهّل تحركات عناصر التنظيم في قلب المدينة بحرية كبيرة. وأشارت إلى أن التنظيم يعتمد في الأساس على شبكة أمنية معلوماتية من بعض سكان المدينة، لرصد تحركات قوات الجيش والشرطة والكمائن، لوضع خطط تنفيذ العمليات والتحرك من دون أن تعترضه القوات المشتركة. وأوضحت أن عناصر التنظيم يدخلون إلى مدينة العريش لتنفيذ عمليات، أو توزيع بيانات، ثم يرحلون من دون مواجهتهم من قبل القوات المشتركة، في خط سير يضمن عدم المواجهة لعدم وقوع خسائر في صفوفهم.
وقالت المصادر "في وقت سابق كان التنظيم لا يظهر في مدينة العريش، لكن فقط يقوم بعمليات خاطفة، أو يزرع عبوات ناسفة في طريق المدرعات العسكرية، من دون ظهور حقيقي له، لكن عناصره يظهرون حالياً لفترة ليست بالقليلة لملاحقة المسيحيين أو خطف بعض المطلوبين لديهم". واعتبرت أنه لولا المعلومات الدقيقة لما تمكن التنظيم من معرفة المتعاونين مع الجيش والشرطة، فضلاً عن الدخول والخروج من المدينة بسهولة كبيرة. وأضافت أن التنظيم المسلح استغل الاضطرابات التي تشهدها مدينة العريش، عقب تصفية 10 من الشباب، بعد أن كانوا مختفين قسرياً، وما صاحب ذلك من غضب شعبي ودعوات للتصعيد ضد أجهزة الدولة. وأوضحت أن قوات الجيش بدأت قبل شهرين بقصف مدفعي عشوائي على منازل المواطنين، وتحديداً في منطقة جنوب العريش، ما خلف قتلى ومصابين، فضلاً عن الخسائر المادية الكبيرة.
من جهته، قال خبير في الحركات الإسلامية إن تحركات تنظيم "ولاية سيناء" الأخيرة في مدينة العريش، ومحاولة إضعاف سيطرة الدولة على الأوضاع هناك، تعود إلى عوامل خاصة بالتنظيم، وأخرى تتعلق باستراتيجية مواجهة الإرهاب. وأضاف الخبير، لـ"العربي الجديد"، إن "ولاية سيناء" يتعامل باستراتيجية متدرجة في محاولة ليس للسيطرة التامة على كل الأرض في محافظة شمال سيناء، لكن لزعزعة سيطرة أجهزة الدولة على المحافظة، وهو حتى الآن يسير بخطى ثابتة في الأمر، ما لم تدرك الأجهزة المعنية خطورة تحركات التنظيم. وتابع أن التنظيم يدرك جيداً أنه لن يتمكن من السيطرة التامة، بمعنى وجود مقار، مثل العراق وسورية، لأنه غير قادر على مواجهة القصف الجوي للجيش المصري، وهذه نقطة ضعفه الأساسية، لذلك هو لا يظهر بصورة جماعية حتى لا يسهل قصفه. وأشار إلى أن التنظيم يحاول إحداث فراغ في السيطرة على الأوضاع، وبالتالي ملء هذا الفراغ في ما بعد، ولعل إعلانه تشكيل ما يعرف بـ"الشرطة الإسلامية" ينذر بمخطط "ولاية سيناء". ولفت إلى أنه بعد فترة من العمليات الإرهابية في العريش، سيختفي التواجد الأمني تماماً، ويبدأ سيناريو الشيخ زويد ورفح، مع القصف الجوي والمدفعي فقط، مع تسيير حملات عسكرية إلى المدينة، من دون تواجد فعلي في العريش.
وشدد الخبير على أن الجيش والشرطة فشلا في مواجهة التنظيم المسلح، وعليهما الاعتراف بالأخطاء الجسيمة، وإعادة وضع استراتيجية تعتمد على فهْم طبيعة التنظيمات المسلحة ومخططاتها، يشارك فيها خبراء في التنظيمات الجهادية المسلحة، وهذا يحدث في كل دول العالم. وأكد أن أحد أهم عوامل فشل القوات المشتركة في مواجهة المسلحين في سيناء، ليس نقص المعلومات لكن غيابها تماماً، وهي الأساس في العمليات العسكرية، مشيراً إلى أن دور الآلة العسكرية يبدأ بعد مرحلة أجهزة الاستخبارات وجمع المعلومات، لكن هذا الأمر لا يحدث في مصر. وتوقع الخبير في الحركات الإسلامية، انتقال العمليات العسكرية بعد فترة إلى مدينة بئر العبد، وبهذا يكون التنظيم المسلح تمكن من تطبيق مخططه إضعاف سيطرة الدولة على المحافظة تماماً، وهذا خطر كبير جداً.