يهتم العالم الكروي بالناشئين كثيراً، ويعتبر مفتاح تطور أي فريق، طريقة إدارته للسوق الرياضي، بالإضافة إلى كيفية استفادته من إمكانيات وقدرات اللاعبين الصغار التابعين لمدراسه الأكاديمية، لذلك اشتهرت أندية أوروبية كبيرة بقدرتها على الاستفادة القصوى من الشبان وإعطائهم الفرصة مبكراً للمشاركة مع الفريق الأول. وتعتبر أندية برشلونة وأياكس وسبورتنج لشبونة ومارسيليا ونانت وأسماء أخرى، من أكبر وأشهر الأكاديميات الكروية في القارة العجوز، نظراً لما تقدمه للملاعب من نجوم جدد كل فترة.
ويعترف بيرلو في حديث قديم عن جزء من حوار سابق جمعه بجوارديولا، حينما قال له المدرب الكتالوني "أندريا، نحن في برشلونة، لدينا أكاديمية لاماسيا، ننجح في إنتاج جيل جديد من النجوم، ونحاول من خلالها تعليم الصغار كيفية فهم اللعبة وفق أفكارنا الخاصة".
ويلخص هذا الحديث الكثير من المفاهيم حول أهمية الاهتمام بالشبان، وكيفية بناء قاعدة ناشئين قادرة على العطاء في المستقبل، خصوصاً مع تزايد الأزمات الاقتصادية للأندية، واشتعال سوق الميركاتو بأسعار خيالية ومبالغ فلكية.
وفي لمحة تكتيكية لمدرب أرسنال الإنجليزي، أرسين فينجر، أكد المخضرم أن بناء لاعب كرة القدم يشبه بناء البيت أو المنزل، لذلك يجب الاعتناء بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة، والصبر حتى النهاية من أجل الاستفادة القصوى من كل لاعب، وتقسيم عملية صناعة الناشئ الصغير إلى عدة مراحل، تبدأ من الأسفل حتى الأعلى.
الأساس
القاعدة الأولى في تكوين أي ناشئ تشبه إلى حد كبير تأسيس المنزل، وإذا كان الأساس سليماً سيصبح اللاعب في وضعية أفضل للتعلم. لذلك يجب أن تكون المرحلة الأولى خاصة بالنواحي التقنية والمهارية والإمكانيات الفردية البحتة. وتستمر هذه الفترة من سن السابعة حتى الرابعة عشرة من عمر اللاعب.
وإذا لم يصل اللاعب إلى قدرة تقنية كبيرة، لن يستطيع أبداً التطور والاستمرار في الملاعب كثيراً، لأن فترة اللعب الأولى تحتاج إلى اكتساب هذه المهارات، حتى يتقبل أي مهمة أو نصيحة من الجهاز الفني وطاقم التدريب الخاص به، لذلك تعتبر هذه المرحلة بمثابة القاعدة الأساسية عند أي لاعب صاعد.
الدور الأول
أما المرحلة الثانية فتبدأ مع كبر سن اللاعب قليلاً، وتشبعه من الناحية التقنية والإمكانيات الفنية، وحاجته إلى تشكيل بنيته الجسدية، وتطوير قدراته البدنية. لذلك يجب على الإدارة الفنية الاهتمام بصحة اللاعب وحاجته إلى تدريبات شاقة من أجل صقل موهبته، والجمع بين الناحية الفردية والواجب الدفاعي المهم.
القوة، السرعة، اللياقة، المجهود العالي، كلها أمور يجب أن تتوفر في اللاعب بين سن 14 وحتى 18 سنة، لكي يكون قادراً فيما بعد على التدريب مع الفريق الأول، بعد حصوله على قوة جسدية وتمتعه بقدرات تقنية مهارية.
الدور الثاني
ثم يأتي الدور الأهم، وهو طريقة فهم اللعبة والتكيف مع الأمور التكتيكية والخطط الفنية، لأن لاعب كرة القدم ليس مجرد ماكينة تجري وتقطع الأمتار، أو لاعب مهاري يراوغ ويمتع الجمهور فقط، أو عنصر أساسي في تشكيلة الفريق. فأصل الفريق هو طريقة لعبه التي يجب أن تعتمد على الجماعية والذكاء الشديد في التعامل مع كافة تفاصيل اللعبة.
حينما يحصل اللاعب على الكرة، يجب أن يسأل نفسه عدة أسئلة: كيف سيمرر، وأين، ولمن، ومتى؟ ولا يضع في حسابه فقط تمركز زميله، بل كيفية مواجهة الخصم له، والمسافة التي تفصله عن لاعب فريقه ولاعب المنافس، لأن كرة القدم في النهاية تدور حول التناغم والانسجام، وكلما فهمت اللعبة، أصبحت أفضل داخل المستطيل.
الدور الأخير
وتبقى المهمة الأخيرة الخاصة بتفكير اللاعب وعقليته وتعامله النفسي مع الظروف المحيطة به، لأن اللاعب الناجح هو الذي يمتاز بالمهارة والقدرات التقنية والعمل الجماعي والقوة البدنية، مع الرغبة في النجاح وفعل شيء مختلف، ومساعدة نفسه قبل أن يساعد فريقه. فالنجومية ليست كلمة سهلة، بل مسؤولية كبيرة وتحدّ يصل له فقط من يؤمن بأن العمل الجاد هو طريق النجاح.
ويضع أرسين فينجر سؤالاً عبقرياً في طريقة النجاح وعلاقته بكرة القدم، ويسأل اللاعب قائلاً، ما هو الأفضل والأجدر: أن يخرج النجم قبل المباراة ليذهب إلى ملهى ليلي مع أصدقائه، أم ينام مبكراً من أجل الاستعداد التام لكرة القدم؟ وإجابة هذا السؤال تقودنا إلى العنصر الأهم في طريقة تكوين اللاعب، وهو الرغبة في الاستمرار والمحافظة على القمة.