كيف تحول الفلسطينيون إلى أقلية؟
تؤكد إحدى الوثائق الصهيونية التي تحمل عنوان (استراتيجية إسرائيل في الشرق الأوسط) أن "طرد الفلسطينيين وإعادة توزيع السكان هو هدف استراتيجي داخلي له أهمية فائقة، ويهودا والسامرة (الضفة الغربية) والجليل هما ضمانتنا الوحيدة لوجود وطني، وإذا لم نصبح الأكثرية في المناطق الجبلية، فإننا لن نحكم البلاد، وسنصبح كالصليبيين الذين خسروا هذا البلد لأنهم ظلوا فيه غرباء".
والواضح أن هذه الوثيقة كانت أساساً للمخطط الصهيوني الذي اتبع وما زال في الضفة الغربية لخلق توازنات ديمغرافية جديدة تعتمد على التمدد الجغرافي الإسرائيلي والتوسع في السيطرة على الأراضي الفلسطينية، وإقامة المستوطنات التي تلتهم مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية، وتسيطر على مواردها المائية، بالإضافة لإقامة جدار الفصل الذي يضم معظم المستوطنات لكيان الاحتلال، ثم تعزيز هذه السيطرة عبر إحداث تغييرات ديمغرافية تحقق الأغلبية للسكان اليهود على حساب السكان الفلسطينيين في المنطقة جيم "سي" خصوصا (تمثل 60% من مساحة الضفة الغربية وتخضع أمنياً وإدارياً لسلطات الاحتلال بحسب اتفاقيات أوسلو).
لقد لعب الاستيطان دوراً واضحاً في تغيير الديمغرافيا القائمة في الضفة الغربية وذلك عبر تكثيف النشاط الاستيطاني، ووضع أعداد من اليهود ليقيموا مجتمعاتهم الخاصة المنغلقة والمتمتعة بحرية التنقل والمرور والاستثمار داخل مجتمع فلسطيني محاصر ومقطع الأوصال، عبر الحواجز العسكرية والطرق الالتفافية.
ويبدو أثر الضغط الاستيطاني لتغيير الواقع الديمغرافي شديد الوضوح في منطقة غور الأردن، تشكل مساحتها ما يقرب من 30% من مساحة الضفة الغربية، التي كان عدد السكان الفلسطينيين فيها يتجاوز320 ألفا عام 67، وليتقلص هذا العدد إلى 56 ألفا في عام 2011.
كما تشير المعطيات الإحصائية إلى واقع خطر يتشكل في المنطقة المصنفة جيم "سي"، حيث لا يزيد عدد سكان هذه المنطقة من الفلسطينيين عن 150 ألف نسمة، في حين يزيد عدد المستوطنين فيها عن 310 آلاف يتوزعون على 124 مستوطنة، وحوالي 100 بؤرة استيطانية.
ولكي تتضح أبعاد وخطورة التغيرات الديمغرافية التي تجري في الضفة، نشير إلى أن معدل الزيادة السكانية في إسرائيل (داخل الخط الأخضر) هو 1.6%، بينما تصل الزيادة السكانية السنوية للمستوطنين في الضفة الغربية إلى 7.4%، في حين أن معدل الزيادة السكانية بين الفلسطينيين في الضفة حاليًا تصل إلى 2.9%، وبفعل النزوح السكاني، والضغط الاقتصادي من قبل الاحتلال ولأسباب أخرى، فإن معدل الزيادة بين الفلسطينيين يتوقع انخفاضها إلى 1.8%، وهو ما سيترتب عليه خلل تدريجي في التوازن السكاني لصالح الاحتلال.
وإذا علمنا أن أكثر من 20% من سكان الضفة الغربية حاليا (بما فيها القدس) هم من اليهود المستوطنين، وأسقطنا نسبة التزايد السكاني بين المستوطنين على السنوات العشرين القادمة (7.4%)، وحسبنا نسبة تناقص المواليد الفلسطينيين بنسبة 0.9% (طبقًا لدائرة الإحصاءات الفلسطينية) فإن الأمر يعني أن نسبة اليهود في الضفة سترتفع إلى ما يقارب 29% من مجمل سكان الضفة، وإذا علمنا أن ما يقارب 23% من الضفة الغربية هي مناطق عسكرية مقفلة أو محميات طبيعية، وأن 44% من الضفة الغربية داخل منطقة "ج" غير مسموح بالبناء فيها للفلسطينيين، وهي نفسها مناطق تركز الاستيطان أدركنا ما سيقود إليه المخطط الاستيطاني التوسعي خلال السنوات القادمة، إذ ستكون هناك أغلبية يهودية مريحة في حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية، وستحشر الكثافة السكانية الفلسطينية في كانتونات معزولة على ما تبقى من أرض الضفة.