كيفورك مراد.. حالة رقص

28 يناير 2015
"الأخوات"، 2009
+ الخط -
يعرض غاليري "كلود لومان" الباريسي، حتى الرابع عشر من فبراير/شباط المقبل، تسع لوحات بأحجام كبيرة للتشكيلي السوري كيفورك مراد. لا تمثل هذه الأعمال التجربة الأحدث عند مراد، إذ يعود تاريخ إنتاجها إلى عامي 2009 و2011، لكنها تنسجم مع أعمال الفنان اللاحقة من حيث طريقة التأليف وحيوية الخطوط المرسومة.

تتموضع تجربة مراد بين تخوم التعبيرية والتجريدية، فتميل لوحته أحياناً نحو التجريد أكثر من أي مدرسة أخرى، كما هو الحال في عمل "إيروس 3"، الذي تتموضع تجربة مراد بين تخوم التعبيرية والتجريدية. وأحياناً يمزج مراد بين التجريد والمنظر الطبيعي، كما في عمله "فوضى" الذي تتجاور فيه، وبشكل فوضوي، تكوينات لونية ذات خطوط سريعة، يتشكّل خلفها مشهد أقرب لأن يكون بحراً ساكناً تحت سماء حمراء ملبّدة.

وأحياناً يميل الفنان إلى التشخيص فتظهر العناصر الإنسانية أو الحيوانية بشكل أوضح، كما في لوحة "الأخوات" التي تطفو فيها تشخيصات أنثوية على كتلة تشبه غيمة منسوجة من ألوان زاهية. الزخارف والحلي والقواقع الملونة تشحن فضاء هذه اللوحة بكثافة وتفتح خيال المشاهد على احتمالات واسعة. وفي عمل آخر بعنوان "العودة"، يتماهى شكل الحصان مع تكوين ضبابي الهيئة، على خلفية مشهد يحاكي الغروب بألوانه.

المتابع لتجربة مراد (1970) يلاحظ ارتباط أعماله، من حين إلى آخر، بالحدث اليومي، كما في الجدارية المنفذة عام 2014، أثناء إقامته الفنية في "دار الإقامة" في عاليه، في لبنان، حيث رسم قلعة حلب وهي تطوف فوق مساحات سوداء دخانية، في إشارة إلى الحرب التي تدمر هوية المكان التاريخية. وكذلك فعل عام 2012 في معرضه الذي أقيم في دبي تحت عنوان "بعد الربيع"، وتضمّن 25 لوحة صغيرة اقترب فيها من عوالم الرسام الإسباني غويا ووحشية خطوطه القاتمة.

يتعدّى مشروع مراد الفني اللوحة بشكلها التقليدي ليذهب في اتجاه التشبيك مع فنون أخرى كالموسيقى؛ إذ أنتج أعمالاً أقرب إلى العروض الأدائية، هي ليست أعمالاً انطباعية من وحي الموسيقى الحيّة بقدر ما هي تأليفات مرتجلة وتفاعلية بين مراد والشريك الموسيقي.

هكذا، تعاون فنياً مع عدة موسيقيين، ولعل تجربته الأبرز، بوصفه فناناً بصرياً، تتجلى في العروض الأدائية التي أنتجها أخيراً مع عازف الكلارينيت السوري كنان العظمة. إضافة إلى تعاونه مع عازف التشيلو "يويو ما"، مدير مشروع "طريق الحرير"، وهي منظمة تعليمية تعنى بنشر الموسيقى والعروض متعددة الوسائط وتطوير المواد التعليمية. كما اشتغل في عدد من العروض الأدائية كفنان مدرّس مع طلاب المدارس العامة في نيويورك.

وفي السياق نفسه، تعاون مراد، المقيم حالياً في الولايات المتحدة، مع الموسيقي العراقي نصير شمّة في تقديم عرض "نداء الياسمين"، وكان قد ابتكر مجموعة من الأعمال الفنية في عام 2009 بعنوان "خط الزمن"، قام فيها بتنفيذ اللوحات ضمن خط زمني قريب لعملية التأليف الموسيقي، ومثّلت أعماله، المنفّذة باللون الأسود ومادة الأكريليك التي يجيد الفنان استخدامها وكأنها رسم بالفحم، تكوينات من الخط العربي الذي يبدو كأنه مكتوب على شكل نوتة موسيقية.

ما يميز تجربة مراد، سواء في اللوحة أو في العروض الأدائية، هي حالة الرقص التي تعبّر عنها الخطوط الحيوية والانسيابية المنفّذة بقلم الأكريليك الأسود. تلك الخطوط المتأثرة، إلى حدٍ ما، بأسلوبية الخط العربي، والتي تعكس قدرة التشكيلي على استنباط أشكال متخيّلة تجبرنا على العودة إلى زمنٍ قديم.في الولايات المتحدة، مع الموسيقي العراقي نصير شمّة في تقديم عرض "نداء الياسمين"، وكان قد ابتكر مجموعة من الأعمال الفنية في عام 2009 بعنوان "خط الزمن"، قام فيها بتنفيذ اللوحات ضمن خط زمني قريب لعملية التأليف الموسيقي، ومثّلت أعماله، المنفّذة باللون الأسود ومادة الأكريليك التي يجيد الفنان استخدامها وكأنها رسم بالفحم، تكوينات من الخط العربي الذي يبدو كأنه مكتوب على شكل نوتة موسيقية.

ومع ذلك، فإنّ لوحته لا تتصل، من حيث التقنية والأدائية، مع الماضي، بل تبدو قادمة من إرث بصري غني تختلط فيه المنمنمات العربية مع الأرمنية.

دلالات
المساهمون