تشهد المناطق السكنية الكويتية القريبة من العاصمة، حركة نزوح هذه الأيام في اتجاه مناطق بعيدة، على خلفيّة التوزيع السكني الذي تعتمده الحكومة الكويتية والذي يهدف إلى إبعاد المواطنين عن العاصمة لتخفيض الكثافة السكانية وتكثيف وجود المواطنين في المناطق الحدودية. من خلال ذلك يُصار إلى توزيع مناطق القوّة وتحسين جودة الخدمات وتنويع الاقتصاد.
يعاني مواطنو الكويت الذين اختاروا السكن في مناطق بعيدة من نقص الخدمات الحكومية وعدم توفّر مستشفيات أو مدارس أو جامعات أو مراكز ثقافية وترفيهية ونواد رياضية كتلك المتوفّرة في العاصمة، في حين يشكون من وعورة الطريق وكذلك الغبار الذي يعود سببه إلى وقوع هذه المناطق في عمق الصحراء وعدم وجود حزام شجري يقيهم منه.
وتمنح الحكومة الكويتية كلّ مواطن كويتي يقدم على الزواج، منزلاً أو قطعة أرض خالية بالإضافة إلى قرض إسكاني بقيمة 100 ألف دينار كويتي (نحو 333 ألف دولار أميركي) وفقاً للقانون رقم 47 في الرعاية السكنية لعام 1993. لكنّ فترة الانتظار للحصول على هذه الأراضي والبيوت تصل إلى 20 عاماً، بسبب بطء عمليات تقسيم المناطق في الأماكن القريبة من العاصمة التي تحتضن كل مؤسسات الدولة المهمة.
يقول مسؤول وحدة التخطيط في المؤسسة العامة للرعاية السكنية، صلاح المطيري، لـ"العربي الجديد" إنّ "نسبة المساحة التي يعيش عليها سكان الكويت من إجمالي حجم الأراضي هي 15 في المائة تقريباً، وهو أمر غير مقبول إذ إنّه يسبّب ضغطاً على الخدمات. وهذا غير صحي بالنسبة إلى دولة صغيرة مثل الكويت، لذلك عمدنا إلى توزيع المناطق السكنية الجديدة بعيداً عن العاصمة، بعدما انتزعنا تلك الأراضي من شركة النفط التي تملكها ومن وزارة الدفاع التي تنازلت عن مساحات هائلة". يضيف المطيري أنّ "هدفنا يتركّز في ثلاث نقاط وهي زيادة المساحة المأهولة بالسكان إلى 50 في المائة في غضون 10 أعوام، وتخفيف الضغط على العاصمة، وإنشاء مدن على الحدود لتأمين البلاد من الأخطار الخارجية".
وكانت الهيئة العامة للإسكان قد أنشأت ثلاث مناطق ومدناً في جنوب البلاد، بينما أنشأت أكثر من 11 منطقة سكنية في شمالها، وذلك في محاولة لتلبية الطلبات الإسكانية المتزايدة بسبب كثرة حالات الزواج وزيادة الأفراد المطالبين بحقهم الدستوري في السكن. يُذكر أنّ عدد الطلبات الإسكانية بحسب آخر إحصائية للمؤسسة وصل إلى 96 ألفاً و444 طلباً.
في السياق، يقول مالك عبد العزيز وهو طالب جامعي يبلغ من العمر 20 عاماً تزوّج قبل عامَين ليستفيد من عرض الحكومة الكويتية بعدما حصل على بيت في منطقة الوفرة السكنية التي تبعد أكثر من 100 كيلومتر عن العاصمة الكويت، إنّ "ثمّة مميزات ومساوئ للسكن في المناطق البعيدة عن مركز البلاد، وأهمّ هذه المميزات هو الحصول على بيت بمساحة 600 متر مربع أي أكثر بـ 200 متر مربع من البيوت التي توزَّع في المناطق السكنية القريبة من العاصمة". يضيف أنّ "فترة الانتظار للحصول على هذه البيوت البعيدة لا يتجاوز السنتَين مثلما حصل لي"، لافتاً إلى أنّ "والدي على سبيل المثال حصل على بيت في ضاحية قريبة من العاصمة بعد انتظار دام 14 عاماً قضاها كمستأجر لشقة صغيرة". ويتابع أنّ "المساوئ كثيرة كذلك، ومنها وعورة الطرقات وعدم صلاحيتها للسيارات الصغيرة وعدم توفير خدمات كالمستشفيات والجامعات. ففي حال سكني هناك، سوف أضطر إلى التنقل يومياً لمسافة 100 كيلومتر للوصول إلى جامعة الكويت التي تقع في قلب العاصمة. وهو أمر دفعني إلى عدم السكن حتى اليوم في ذلك البيت وتأجيره لمجموعة من السعوديين الذين يفضلون العيش في المدن الحدودية، وذلك إلى حين نموّ المنطقة وتوسّع عائلتي".
وتُعَدّ منطقة صباح الأحمد السكنية (تبعد 80 كيلومتراً عن العاصمة الكويت) إحدى أحدث المناطق السكنية التي استحدثتها الحكومة خارج النطاق السكني الاعتيادي، لكنّها تعاني من جرّاء البطء في تنفيذ الخدمات على الرغم من ارتفاع عدد سكانها. يُذكر أنّ الحكومة وعدت ببناء فرع لجامعة الكويت فيها بالإضافة إلى مستشفى ومجموعة مدارس لكلّ المراحل، الأمر الذي من شأنه أن يغني سكانها عن التوجّه يومياً إلى العاصمة لقضاء أعمالهم. أمّا سكان المنطقة فهم بمعظمهم من العاملين في مجال النفط، خصوصاً في الحقول الجنوبية التي لا تبعد كثيراً عن بيوتهم.
يقول راشد الدوسري وهو من سكان منطقة صباح الأحمد السكنية لـ"العربي الجديد" إنّ "موقع المنطقة يبدو ممتازاً بالنسبة إلينا، نحن العاملين في شركة النفط. لكن ثمّة أشياء وعدتنا بها الحكومة ونحن ما زلنا في انتظارها، مثل إصلاح الطريق المؤدي إلى المنطقة وفتح المدارس التي انتهى إنشاؤها في حين تتأخّر وزارة التربية في نقل المدرّسين والطلاب إليها". ويشير الدوسري إلى أنّ "البيئة هي العدو الأكبر لنا. فالمنطقة تقع في منتصف الصحراء وهي عرضة للغبار الموسمي نظراً إلى عدم وجود حاجز من الأشجار يعوّق حركة التراب. وهو ما دفع مجلس أهالي المنطقة الذي تشكل بجهود أهلية، إلى قيادة حملة ضخمة لزرع الأشجار حول المنطقة ونحن في انتظار نتائجها".
من جهته، يقول مدير منطقة الأحمدي التعليمية، وليد العومي، لـ"العربي الجديد" إنّ "11 مدرسة جاهزة في مدينة صباح الأحمد السكنية لتقديم خدماتها لهذه المنطقة ومنطقة الوفرة السكنية في العام المقبل، لكنّ ثمّة أموراً تتعلّق بتعيين المدرّسين هي التي عطلت فتح تلك المدارس".
إلى ذلك، يرحّب مسفر العتيبي الذي حصل على وحدة سكنية في مدينة المطلاع (85 كيلومتراً شمال مدينة الكويت) بفكرة السكن بعيداً عن العاصمة، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه "قبل عشرين عاماً تقريباً، كان الشخص الذي يسكن بعيداً عن العاصمة بـ 25 كيلومتراً يُعَدّ في منطقة نائية. لكنّ التمدد العمراني حتّم على المواطنين اللجوء إلى مناطق نموذجية بعيدة للراحة والحصول سريعاً على الطلب الإسكاني". يضيف أنّ "ثمّة مخاوف بالطبع لديّ، أبرزها وجود المنطقة في عمق الصحراء، ولذلك اقترحنا تشكيل مجلس لأهالي المنطقة بهدف التنسيق مع الهيئة العامة للبيئة وبناء حزام أخضر مثلما حدث في مناطق الجنوب مثل أم الهيمان ومنطقة صباح الأحمد السكنية والوفرة".