رحلت ليلة أمس، الشاعرة والقاصة الفلسطينية الأردنية كوليت أبو حسين، في إحدى مشافي العاصمة الأردنية عمّان، بعد مرض قصير اختطفها باكراً.
ولدت أبو حسين في الكويت عام 1980 لأبوين فلسطينيين، وسرعان ما انتقلت الأسرة إلى الأردن، حيث نشأت كوليت بين مدينتي الزرقاء وعمّان ودرست إدارة الأعمال في الأخيرة. ونشطت في الحياة الثقافية من خلال مساهمات في الصحافة وفي تنظيم أحداث ثقافية إلى جانب كتاباتها الإبداعية، وقد نشرت مجموعة من آخر نصوصها في "العربي الجديد" هذه السنة. وسبق وظهرت قصائدها ضمن أنطولوجيا "شاعرات العالم العربي" الصادرة عن دار النشر الفرنسية "Rhône-Alpes". هذا إلى جانب تأسيسها دار "كاف للنشر" في عمّان قبل سنوات.
عُرفت كوليت بين أصدقائها بتوقها للعيش والتجربة واستعدادها الدائم لمساعدة زملائها معنوياً ومادياً، وبالفضول والدهشة الطفوليين؛ وبهذه الروح كانت تكتب نصوصها المفتوحة التي تجولت فيها بين القصة والشعر، تاركة لروحها الطلقة كامل الحرية، ومطلقة عنان أفكارها وتصوراتها عن الحياة والحب والعلاقات والعنف الاجتماعي والذكورية التي عاشت تحت سقف مجتمعاتها.
تكتب: "هيا نقفز يا حبيبي، الهاوية جميلة ومغرية.. تعال انظر.. لا نستطيع أن نرى آخرها
سنظلّ نحلّق الى الأبد.. الهاوية هي الأبد يا حبيبي.. تعال، تعال نقفز.. أو.. فلنتزوج!".
يمكن القول إن أبو حسين كانت كاتبة نسوية من دون أن تتقصد أن تكون كذلك، في نصوصها انتصار دائم لروح المرأة وشجاعتها الدفينة وحريتها المسلوبة في ظل القيد الثقافي والاجتماعي.
تقول في أحد نصوصها: "عند منتصف الليل أتحوّل إلى يقطينة/ ليس للساحرة العجوز ولا تعاويذها أي علاقة بذلك/ كلانا، أنا وهي، نعرف أن لا أُمراء في الخارج يحملون أحذية زجاجية بنمرة 40/ فالسندريلا تأتي بالعادة بقطع صغير/ وحين أصحو بعد منتصف النهار/ أجدني ما زلت يقطينة/ صفراء وكبيرة/ ومليئة بالسيلوليت".
ضد كل ما هو ضد العيش، كل ما هو إجباري ومسلّم به، كل الكليشيهات عن المرأة، كانت نصوص الراحلة الحافلة بالحياة والمتع والمندفعة تجاهها إلى جانب نصوص حسّية، مثلما كتبت نصوصاً آخرى تكره فيها الألم وتواجهه وتتكلم عنه بلا خوف: "لا أفتعل، لا في الكتابة ولا في الحياة، كتابتي تشبهني، ونصوصي تشبهني، ولغتي تشبهني، وأنا أشبهني".
حركتها في الكتابة تماثل حركتها في الحياة، من الكاتبات الشابات القليلات في بلادنا العربية ممن يكتبن بانسجام مع نمط عيشهن، بلا زيف ولا تنكّر للذات وأفعالها؛ في إحدى مقابلاتها تقول: "لم أكتب كفاية لأرى نَفسي... قد تتماهى الأجناس الأدبية السردية فبين قصيدة النثر والقصة القصيرة ما زلت أتحرّك بخفة".
وحين تُسأل عن الدافع من ممارسة الكتابة تقول: "لا أعرف حقاً لمن أكتب.. أكتب فقط كي أرتاح، كي أتذكّر". كتبت كوليت مرة: "أفكّر كثيرًا بمَ سيذكرني أصدقائي حين أموت ، بأيّ رائحة أرتبط عند من أحب؟"، وربما سيتذكرها كل صديق/ة بشيء مختلف، لكن الجميع سيذكر لها تلك الروح المتوقدة حرية.