أربك فيروس "كورونا" الجديد، حسابات المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، شركات كانوا أم مستوردين، وذلك بعد تجميد تعاملاتهم مع المصدرين من الصين بالتزامن مع وقف الجزائر كل الرحلات من الصين وإليها، ما عطل الإمدادات التجارية إلى البلاد، وبات مصدر قلق لعدد كبير من التجار والمستوردين وأصحاب المصالح.
محمد عيسات صاحب شركة استيراد للأقمشة وملابس أطفال من الصين، يعيش منذ قرابة الأسبوعين على وقع أخبار "فيروس كورونا". عيناه مصوبتان معظم الأوقات نحو شاشة هاتفه أو حاسوبه، عله يقرأ خبرا مفرحا، بعدما ألغى رحلته نحو مدينة " تشنجن" جنوب الصين، من أجل استيراد سلع جديدة، مخصصة لفصلي الربيع والصيف، إلا أن "كورونا" جمد تجارة محمد عيسات الذي كشف في حديث مع "العربي الجديد" عن خوفه من دخوله في سنة بيضاء (دون عمل) منذ الآن.
وقال: "كل تجارتي وأموالي مرتبطة بالصين، ألغيت رحلة كانت مبرمجة في 5 فبراير/ شباط الحالي، كنت أستعد لاستيراد قماش وملابس، إلا أن تطور الأحداث في الصين أجهض كل شيء".
وأضاف المستورد الجزائري أنه "يستورد سنويا ما يعادل المليون إلى مليون ونصف المليون دولار سنويا من الصين، ولا يعرف بلدا آخر يؤمن له المواد التي يحتاجها بأسعار مناسبة".
وتتكرر الأزمة مع عشرات الآلاف من المستوردين الجزائريين، الذين نجحت الصين في إغرائهم واستمالتهم بفضل سلعها وأسعارها التنافسية، حسب جمال كلوفي، مستورد لأجهزة التدفئة والتبريد من الصين، الذي قال إن "بعض المستوردين حالفهم الحظ في استيراد كميات كبيرة من السلع مطلع السنة الحالية بعدما طلبوها نهاية السنة الماضية، أما من ترتبط سلعتهم ونشاطاتهم بالزمن، وتاريخ الصلاحية، فهم يعيشون أياما سوداء".
وأضاف المتحدث ذاته لـ "العربي الجديد"، أن بعض مستوردي الملابس مثلا "غيروا الوجهة نحو تركيا بمساعدة مستوردين جزائريين، لكن من ينشط خارج هذا المجال، فتجارته معطلة إلى أجل غير معلوم".
وحسب المعلومات التي تحوزها "العربي الجديد"، فقد بلغ عدد الجزائريين الذين دخلوا الصين سنة 2019، أكثر من 35 ألفاً، 90% منهم دخلوها بتأشيرة عمل، و5% من أجل السياحة، والبقية من أجل الدراسة.
وتحولت بكين في ظرف وجيز إلى المصدر الأول للجزائر، بالإضافة إلى كونها المستثمر الأجنبي الثالث في البلاد، ونجحت الصين عام 2014، في إزاحة فرنسا شريك الجزائر التاريخي والتقليدي، عن رأس قائمة مموني الجزائر بالسلع والخدمات، بمعدل تصدير بلغ 8.2 مليارات دولار العام الماضي، حسب أرقام الجمارك الجزائرية، أي 19.5% من واردات الجزائر. في وقت قدرت صادرات الجزائر نحو الصين بـ1.7 مليار دولار، كلها في المجال النفطي.
في حين تتركز غالبية الاستثمارات الصينية في قطاع البناء الجزائري بحوالي 1.2 مليار دولار والزراعة بـ500 مليون دولار والباقي في قطاع الخدمات، حسب ما أكدته السفارة الصينية في الجزائر لـ"العربي الجديد".
بدورها، تعيش بعض الشركات الجزائرية العمومية والخاصة نفس سيناريو المستوردين، وذلك مع تزايد المخاوف من نفاد المواد الأولية المستوردة من الصين، على غرار مصانع تجميع الأجهزة الإلكترونية وتجميع السيارات، وصناعة مواد البناء، وحتى الخدمات.
وفي السياق، كشف حمزة جليجل صاحب مصنع لإنتاج الدهن وغراء البلاط، أن "مصنعه سيدخل في مرحلة استنفاد مخزون الأمان، مطلع شهر إبريل/نيسان، وذلك بعد تعذر السفر إلى الصين من أجل التوقيع على الطلبيات الجديدة، وحتى عبر الانترنت الأمر غير ممكن، لأن الجزائر جمدت كل الرحلات الجوية والبحرية مع الصين".
وأضاف لـ "العربي الجديد"، أن "ثلث الشركات الجزائرية، إن لم نقل أكثر، استمراريته مرهونة بالمواد الأولية الصينية، وفي حال طال انتشار الفيروس والإجراءات الموازية للوقاية منه، فقد تتطور الأزمة في المصانع إلى حد صرف العمال لخفض أكلاف الإنتاج".
وعلمت "العربي الجديد" من مصدر حكومي، أن وزارة النقل والأشغال العامة، قد أجلت مناقصة لتوسعة خطوط "مترو العاصمة"، إلى إشعار لاحق، بسبب مشاركة 3 شركات صينية في المناقصة، تعذر على ممثليها الالتحاق بالجزائر، لفتح عروض مناقصة المشروع المقدرة تكلفته بـ 800 مليون دولار.
وكانت الجزائر قد جمدت مطلع فبراير/شباط الماضي، كل الرحلات التي تربطها بالصين مباشرة، وذلك بعدما أجلت 36 طالبا كانوا عالقين في مدينة "ووهان" الصينية برفقة طلبة من تونس وموريتانيا.