مع استمرار جائحة كورونا منذ وقت طويل، وارتفاع إجمالي عدد الإصابات في روسيا إلى أكثر من مليون، تؤكد كلّ المؤشرات أنّ عدد سكان البلاد قد يسجل أعلى معدل للتراجع منذ 14 عاماً، بالإضافة إلى زيادة نسبة الفقراء وسط أزمة اقتصادية خانقة ناجمة عن انتشار الوباء. وبحسب مشروع الخطة الحكومية لتحقيق الأهداف الوطنية للتنمية الذي نشرته صحيفة "إر بي كا" الروسية مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري، فإنّ عدد سكان روسيا قد يتراجع بمقدار 158 ألف نسمة في العام الحالي، كما أنّ عدد السكان لن يعود إلى الازدياد إلاّ بدءاً من عام 2022.
ومن اللافت أنّ الرقم المتوقع لمقدار تراجع السكان يزيد كثيراً عن الرقم المعلن لعدد الوفيات بين المصابين بكورونا والبالغ نحو 18 ألفاً، وفق الأرقام الواردة بموقع "ستوب كورونا فيروس" الحكومي الروسي. ويعزو الباحث المستقل في علم الديموغرافيا، أليكسي راكشا، هذا التباين إلى عدم دقة إحصاءات الوفيات بفيروس كورونا، مقدراً إسهام كورونا بأرقام وفياته الحقيقية في معدل التراجع المتوقع هذا العام بما يتراوح بين 60 و90 ألفاً. ويقول راكشا لـ"العربي الجديد": "أعتقد أنّ عدد الوفيات بسبب كورونا يبلغ نحو 40 ألفاً حتى الآن، بينما يرتفع إجمالي عدد الوفيات الزائدة المتراكم منذ بدء الوباء إلى نحو 55 إلى 60 ألفاً، شاملة جميع الوفيات بين المصابين بكورونا، حتى إذا كان مرض آخر سبباً مباشراً للوفاة".
وحول أسباب هذا التباين بين تقديراته والأرقام الرسمية، يضيف: "قد تتسلل الإصابة إلى الأقسام السفلى من الرئتين وتتلفهما. وحتى الاختبارات الجيدة لتفاعل البوليمراز المتسلسل (بي سي آر) قد لا تظهرها، فما بالك بالسيئة منها؟ وهناك بلاغات وردت في أحيان كثيرة، من الأقاليم، حول عدم إجراء اختبارات تفاعل البوليمراز فوق حد أقصى محدد، وأحياناً لا يجرون التصوير المقطعي للرئتين".
وإلى جانب تراجع عدد السكان، توقعت الحكومة الروسية ارتفاع نسبة الفقراء (أي من تقلّ مداخيلهم عن الحدّ الأدنى للمعيشة بحسب الإقليم) من 12.3 في المائة في العام الماضي إلى 13.3 في المائة في العام الجاري، على أن يعاود معدل الفقر التراجع في ما بعد إلى مستوى ما قبل الأزمة في العام المقبل ونسبة 10 في المائة بحلول عام 2024.
لكنّ أزمة كورونا أدت إلى تراجع هام لمداخيل الروس مقابل ارتفاع نسبة البطالة. وخلال الربع الثاني من العام الذي شهد أشد قيود العزل الذاتي لمواجهة الوباء وسط تعليق عمل منشآت القطاع الخدمي، تراجعت المداخيل الحقيقية للسكان بنسبة 8 في المائة، بينما ارتفع عدد العاطلين من العمل بنسبة 40 في المائة، ليبلغ نحو 4.75 مليون شخص أو 6.3 في المائة من مجموع القوة العاملة. ويعرقل الفيروس وما صاحبه من إجراءات إقفال، خطط التنمية في روسيا، إذ يقتضي أحد الأهداف القومية للتنمية تقليص معدل الفقر إلى 6.5 في المائة بحلول عام 2030، وفق المرسوم الرئاسي الذي وقّعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في يوليو/تموز الماضي، بعد تمرير التعديلات الدستورية.
وبالعودة إلى عدد سكان روسيا، فإنّ حركة الهجرة الوافدة إلى روسيا لم تعد منذ عام 2018 تسدّ الفجوة بين عدد الوفيات والمواليد. أدى ذلك إلى تراجع عدد سكان روسيا بمقدار نحو 100 ألف نسمة في عام 2018 وبنحو 32 ألفاً في العام الماضي. لكنّ معدل التراجع المتوقع للعام الجاري يفوق رقم العام الماضي بمقدار خمسة أضعاف تقريباً.
وبحسب بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات"، فإنّ النصف الأول من العام الجاري الذي تزامن مع ذروة وباء كورونا شهد زيادة في معدل الوفيات بنسبة 3 في المائة تقريباً مع تراجع المواليد بنسبة 5.4 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. أما إغلاق الحدود الخارجية للبلاد منذ مارس/ آذار الماضي، فأدى إلى تراجع حركة المهاجرين من 134 ألفاً خلال النصف الأول من العام الماضي إلى أقل من 50 ألفاً في النصف الأول من العام الجاري، معوضاً بذلك نحو 18 في المائة فقط من الفجوة بين الوفيات والمواليد.
يُذكر أنّ عدد سكان روسيا عند تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991 كان يبلغ 148 مليون نسمة، وقد بدأ يتراجع لينخفض إلى ما دون 143 مليوناً بحلول عام 2007. لكنّ عدد سكان البلاد بدأ يرتفع في السنوات اللاحقة، مدفوعاً بحركة تدفّق المهاجرين وارتفاع عدد المواليد بالمقارنة مع عدد الوفيات بصورة طفيفة، وصولاً إلى قفزته لأكثر من 146 مليون نسمة بعد ضمّ شبه جزيرة القرم في عام 2014.