أربكت جائحة فيروس كورونا موازنات أغلب الأسر المغربية في ما يتعلق بالإنفاق على التعليم، لتلوح في الأفق بوادر أزمة مع أصحاب المدارس الخاصة بسبب ارتفاع الأسعار، التي لطالما اشتكت الكثير من الأسر من المبالغة فيها بالأساس قبل الجائحة.
وتعرضت أسر لصعوبات في الوفاء بما في ذمتها تجاه المؤسسات التعليمية الخاصة بسبب تراجع إيراداتها، بينما اعتبرت أخرى أن الخدمات التي تقدمها تلك المدارس في ظل الحجر الصحي لا تبرر المبالغ الشهرية التي تطالب بها، لا سيما بعد قرار وزارة التربية الوطنية (التعليم)، اعتماد "التعليم عن بعد" مع توفير تعليم حضوري للراغبين فيه خلال العام الدراسي الجديد الذي يبدأ في السابع من سبتمبر/ أيلول الجاري.
وفي ظل تراجع القدرات المالية، حاولت بعض الأسر نقل أبنائها إلى المدارس الحكومية، إلا أن وزير التعليم سعد أمزازي صرح بأنه سيكون صعباً على المدارس الحكومية تلبية الطلبات المقدمة، مشيرا إلى أن من حق الأسر اختيار التعليم عن بعد.
لكن الكثير من الأسر تحملت في ظل الحجر الصحي، الذي سرى منذ مارس/ آذار الماضي، مصاريف إضافية من أجل توفير ظروف التعليم عن بعد لأبنائها، حيث اضطر بعضها إلى توفير الربط بالإنترنت وشراء لوحات إلكترونية.
وشهدت أسعار التعليم أكبر ارتفاع لها ضمن مختلف فئات الخدمات والسلع في الأشهر السبعة الماضية، بنسبة 3.2%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حسب تقرير حديث للمندوبية السامية للتخطيط حول أسعار المستهلكين.
ويعتبر خبراء وأسر أن الوضع الناجم عن الأزمة الصحية يقتضي التخفيف عن الأسر، التي تراجعت إيراداتها أو فقدت عملها، حيث يرون أنه يفترض في الحكومة التدخل لدى المدارس الخاصة من أجل خفض الأسعار، خاصة أن التعليم من الخدمات العمومية التي التزمت الدولة بتوفيرها.
وكانت فيدرالية آباء التلاميذ قد أشارت إلى أن العديد من أولياء التلاميذ عبروا عن رغبتهم في نقل أبنائهم إلى المدارس الحكومية، بعد الصعوبات التي وجدوها في الوفاء بما في ذمتهم تجاه المدارس الخاصة بين إبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران، حيث اقترحت الفيدرالية تسهيلات في السداد أو خفضا بنسبة 50% أو إعفاء من فقدوا فرص عملهم.
ورد عبد السلام عمور، رئيس تحالف التعليم الخاص بالمغرب، معبرا عن استعداد المدارس الخاصة لتأجيل سداد الرسوم الشهرية وسدادها على أقساط شهرية أو حتى إعفاء الأسر التي تثبت عبر وثائق معاناتها من وضعية هشة جراء الظروف الجديدة.
لكن الجامعة المغربية لحقوق المستهلك رأت أن قرار وزارة التربية الوطنية، الذي يخير الأسر بين التعليم الحضوري أو عن بعد، يضر بمبدأ تكافؤ الفرص، ويرضي لوبي التعليم الخاص فقط، داعية في الوقت نفسه إلى اتخاذ تدابير تضمن التوازن بين الأسر والمدارس الخاصة، عبر اعتماد مبدأ الخدمة مقابل الأداء مع فتح المدارس العمومية لاستقبال التلاميذ الرافضين للتعليم في المدارس الخاصة.
ويدرس 84.1% من التلاميذ والطلبة في التعليم الحكومي، بينما يستوعب التعليم الخاص حوالي 16%، حيث لا تتدخل الحكومة في تحديد الرسوم التي تفرضها المدارس الخاصة.
وكانت المندوبية السامية للتخطيط قد توقعت في تقرير لها، منتصف يوليو/ تموز الماضي، أن يفقد سوق العمل 712 ألف فرصة عمل في العام الحالي، ليقفز معدل البطالة إلى 14.8%، بعدما كان في حدود 9.2% خلا العام الماضي.
وأشارت المندوبية إلى أن من المتوقع انكماش الاقتصاد المغربي بنسبة 5.8% خلال هذا العام، وهو مستوى يتجاوز ما توقعته الحكومة عبر مشروع قانون المالية التعديلي الصادر أخيرا، حيث تترقب انكماشا في حدود 5%.
ويرى بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أنه يمكن اللجوء إلى تقديم مقترح قانون يستحضر صعوبات الأسر المالية، يفضي إلى إدراج التعليم الخاص ضمن الخدمات المقننة أسعارها، حيث لا يمكن تجاوز السقف الذي تحدده السلطة التنظيمية. ويضيف الخراطي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه يمكن تقنين أسعار المدارس الخاصة، أخذا بعين الاعتبار القدرة الشرائية للأسر.
وكانت الحكومة قد اعتبرت أن المستثمرين في التعليم الخاص غير متضررين ماليا من تفشي جائحة كورونا، بعدما طالب أصحاب تلك المدارس بدعم من الدولة، وهو ما لقي استهجانا من قبل العديد من المراقبين ورواد وسائل التواصل الاجتماعي.