كورونا والمسؤولية الاجتماعية للمستثمرين العرب

05 مايو 2020
الجمعيات الخيرية توزع كراتين الغذاء على المحتاجين بالقاهرة (Getty)
+ الخط -
عرف مجتمعنا العربي والإسلامي اصطلاحات الأغنياء، أو كبار التجار، أو الأعيان، كدلالة على الثراء، وكان لهؤلاء دورهم البارز عبر الحضارة العربية والإسلامية، من خلال الأوقاف في مجالات شتى، حتى إنهم كانوا يقومون بتمويل كثير من الأنشطة التي تقوم بها الدولة الحديثة من تمويل الجيوش، أو إنشاء وتمويل المؤسسات التعليمية والطبية، ودور الأيتام، واستراحات الطرق، ودعم الفقراء، ورعاية الحيوانات، وغيرها.

وفي ظل الدولة الحديثة، وتبني معظم الدول العربية، الاقتصاد الرأسمالي، منذ تسعينيات القرن العشرين، وتبني الأدبيات والسلوك الخاص بهذه الثقافة الرأسمالية، أصبح الحديث السائد عن مجتمع الأعمال أو طبقة رجال الأعمال، الذين كونوا الجمعيات، والمجالس الخاصة بها.

وأصبح لرجال الأعمال دور ملموس في صناعة القرار، لكن تأخر إلى حد ما، انتقال ثقافة المسئولية الاجتماعية كنوع من الممارسة الغربية في ظل المجتمعات الرأسمالية إلى المجتمعات العربية، خاصة في ظل عدم تمتع المجتمعات العربية بباقي منظومة الرأسمالية، والتي من أهمها النظم الديمقراطية والحرية.

ونقلت وسائل إعلام غربية، أخبارا تتعلق بتبرعات رجال الأعمال البارزين لصالح جمعيات خيرية، ومؤسسات الرعاية الطبية، والمعامل البحثية، من أجل المساعدة في التوصل إلى مصل أو لقاح لمواجهة كورونا، وكان بيل غيتس من أشهر أصحاب هذه المساهمات، بنحو 100 مليون دولار.
وشهدنا أداء رجال الأعمال العرب على مدار عقود، والذي تضمن مساهمات إيجابية، وبعضها غير ذلك، إلا أن الأداء الاقتصادي لهؤلاء على مدار نحو أربعة عقود، لم يكن بالكفاءة المطلوبة في تحمل تبعات التنمية، والانتقال بالاقتصاديات العربية لمصاف الدول الصاعدة أو المتقدمة.

وإن كان الواقع يرصد مساهمات إيجابية من خلال مساهمات رجال أعمال في أعمال خيرية بارزة في مختلف الدول العربية، في مجالات التعليم والصحة، ودور العبادة، ومساعدة الحكومات في بعض ما واجهته من مشكلات وقضايا عامة.

وتأتي جائحة كورونا لتمثل اختبارًا جديدًا لكل من الحكومات العربية ورجال الأعمال، تجاه مواجهة هذا الوباء والانتقال بالمجتمعات العربية إلى بر الأمان. والحكومات لها مجالات عملها، وسبل تقويم أدائها، أما رجال الأعمال فأهم مؤشر تقوم به أعمالهم فهو مؤشر المسئولية الاجتماعية.

وسواء طالت الأزمة أو قصرت، فسوف يسجل التاريخ، وتحفظ المجتمعات هذا الدور لرجال الأعمال، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا، فكما خرجت منظمات الأعمال تطالب الحكومات، بمساعدتها، لمواجهة الأضرار التي لحقت بها، فعليها أن تؤدي واجبها، تجاه المجتمع.

ماهية المسؤولية الاجتماعية

قد تكون هناك صورة خاطئة رسمتها بعض الممارسات، بأن المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال، هي مجرد تقديم مساهمات أو تبرعات في مناسبات مختلفة، أو بشكل دوري، وهذا بلا شك مطلوب، وشيء إيجابي، ولكنه الجزء اليسير من هذه المسؤولية.

فالمسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال، تتجلى في توظيف هؤلاء لخبراتهم وثرواتهم لخدمة المجتمع، من خلال الوفاء بتقديم السلع والخدمات الضرورية للمجتمع، وبما لا يعرضه لحالة من التبعية، التي تكرس تعرض الاقتصاد لتقلبات السوق العالمية، وكذلك حرصهم على الالتزام بالقانون وعدم ممارسة الأعمال الضارة بمقومات المجتمع الاقتصادية، واستقدامهم لتكنولوجيا وتوطينها، تمهيدًا لإنتاجها، وأيضًا الحفاظ على العمالة، وتدريبها والارتقاء بقدراتها المهارية.

فالقطاع الخاص بشكل عام، ورجال الأعمال بشكل خاص، حُملوا مسؤولية كبيرة، بعد تبني الدول العربية لاقتصاديات السوق، وخروج الدولة من المجال الاقتصادي بشكل كبير لصالح القطاع الخاص. ومن هنا أصبحت المسؤولية الاجتماعية لهؤلاء، جزءا لا يتجزأ من العقد الاجتماعي السائد في المجتمعات العربية.

متطلبات كورونا

تفرض أزمة كورونا مجموعة من مظاهر المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال بالمجتمعات العربية، وعلى رأسها في الأجل القصير، الحفاظ على العمالة الحالية، وعدم تسريحها، أو حرمانها من مميزات رئيسة، تساعدهم على القيام بأعمالهم، أو يقومون من خلالها برعاية أسرهم، خاصة أن تقديرات تذهب إلى أن الأزمة ستضيف نحو 1.7 مليون عاطل بالمنطقة العربية بنهاية 2020.

كما تفرض أزمة كورونا الآن، حالة من شبه الحظر على حركة التجارة الدولية، ونقل مستلزمات الإنتاج، وهو ما يعطي الفرصة لرجال الأعمال العرب، أن يتجهوا، لاستخدام مستلزمات إنتاج محلية، والعمل على تطوير المتاح منها ليكون بديلًا للمستلزمات المستوردة، وهو ما يضمن لهم، ميزة استمرار عمل مؤسساتهم الإنتاجية، وعدم توقفها، والحفاظ على حصتها بالسوق المحلية، بل وزيادتها.
ومن الدروس التي تقدمها أزمة كورونا للمستثمرين العرب، وتأتي ضمن أولويات مسؤوليتهم الاجتماعية، أن الاندماج في العولمة، معرض في أوقات متقاربة لأزمات مشابهة، وبالتالي لا بد من العمل على بناء قاعدة تكنولوجية وطنية، وقد لا يتحقق هذا في الأجل القصير.

لكن على مجتمع الأعمال عبر مؤسساته العامة، مثل اتحاد الصناعات أو الغرف التجارية، تبني مشروعات لإنتاج وتطوير التكنولوجيا، بحيث تكون في إطار لتطوير الصناعة المحلية، حتى ترتفع قيمتها الإنتاجية من ناحية، ومن ناحية أخرى الحفاظ على استقرار الاقتصاديات العربية، وعدم تعرضها لمثل من تعرضت له من مشكلات خلال أزمة كورونا.

وثمة فرصة أخرى تتيحها أزمة وباء كورونا لقيام رجال الأعمال العرب بمسؤوليتهم الاجتماعية، وهي وقوف مجتمع الأعمال عبر مؤسساته وجمعياته المنتشرة، في وجهة المستغلين للأزمة، وعدم رفع أسعار السلع والخدمات، من دون وجه حق، والتوجيه للوكلاء والموزعين لمنتجات رجال الأعمال، بعدم احتكار السلع، أو تخزينها من أجل رفع سعرها.

ويمكن أن يساهم مجتمع الأعمال العربي، عبر تنسيق بين مؤسساته داخل كل دولة، بالاتفاق على نسب ربح مقبولة، حتى يمكن المحافظة على الأسعار، وتوفير السلع لأكبر فترة ممكنة، واستفادة أكبر شريحة من المجتمع منها.

الاستعداد لما بعد كورونا

على مجتمع الأعمال العربي، أن يعلم أن ثمة تغيرات كبيرة سوف تشهدها العولمة بعد تجاوز أزمة كورونا، حيث ستعيد كثير من الدول النظر في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، ومن الوارد بشكل كبير، أن يتبدل دور المنظمات الدولية، وبالتالي قد ترتفع الحواجز الجمركية، وغيرها من القيود على النشاط الاقتصادي.
وتحتم المسؤولية الاجتماعية على مجتمع الأعمال العربي، أن يستعد ويحضر البدائل لمثل هذه السيناريوهات، حتى لا تتأثر مصالحه، والمصالح الاقتصادية للدول العربية لمزيد من المخاطر.

والأمر سيحتاج إلى تمويل، ولن يكون هناك مجال أكثر أمنًا، من لجوء رجال الأعمال العرب إلى البورصات العربية، وستكون المشروعات المطروحة بهذا المجال، لها قبول، وبخاصة إذا ما كانت بالفعل تستهدف بناء قاعدة تكنولوجيا وطنية داخل الدول العربية.

وستكون السوق العربية المشتركة، خلال السنوات المقبلة، هي الملاذ الذي يمكن اللجوء إليه من قبل مجتمع الأعمال العرب، وسوف يندمون على ما تم التفريط فيه من وقت لعدم إنجازها خلال السنوات الماضية.

لعل رجال الأعمال يرون أن تفكيرهم يجب أن ينصب على ما هم فيه الآن من مشكلات، ولا داعي لتحميلهم أعباء المجتمعات بالكامل، وما فشلت فيه الحكومات لعقود، لكن التفكير السليم يقتضي أن ينظر رجال الأعمال للأمام، وأن يكونوا في حجم وقيمة المسؤولية الاجتماعية والتاريخية التي تفرضها أزمة كورونا، وإلا فالبديل، هو عودة الدولة مرة أخرى للسيطرة على الاقتصاد، وقد تكون الحكومات في هذه المرة مدفوعة برغبة الشعوب، نظرًا لفشل مجتمع الأعمال.
دلالات
المساهمون