كورونا مصر: سياسات الحكومة والانتخابات تطلق موجة جديدة من الفيروس

11 اغسطس 2020
تخفيف القيود أشاع حالة من التراخي في مختلف المناطق المصرية (زياد أحمد/Getty)
+ الخط -

بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من الانحسار المطّرد في أعداد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا في مصر، والوصول إلى معدلات لم تسجل منذ إبريل/نيسان الماضي، بدأت المعدلات مجدداً في الزيادة الطفيفة المطّردة، لا سيما في المحافظات الصغيرة التي كانت قد شهدت انتشار الفيروس مع بداية الجائحة، كالأقصر ودمياط وبورسعيد، مما دفع وزارة الصحة لإطلاق تحذيرات جادة من مواجهة الموجة الثانية من كورونا في القريب العاجل. وتواجه وزارة الصحة بصفة خاصة، والحكومة بصفة عامة، اتهامات عديدة من المصادر الطبية العاملة في المستشفيات الحكومية، بالتسبب في حالة فجوة بين الواقع العملي على الأرض والأرقام المعلنة في بيانات الإصابات والوفيات الرسمية خلال الفترة الأخيرة، ثمّ في الارتفاع الملحوظ في عدد المصابين اليومي على الأرض بعد عيد الأضحى، وهو ما ترجم رسمياً بزيادة طفيفة في الأعداد خلال الأيام الخمسة الماضية.

التطبيق العملي الرخو والمشوب بالفساد لقرارات إرخاء القيود، المخففة أساساً، أكسبها مزيداً من التخفيف 

وقالت مصادر طبية لـ"العربي الجديد"، إنّ السبب الأول لبدء الموجة الثانية من كورونا يتمثل في التخفيف المبكر للقيود على الحركة والأنشطة من قبل الحكومة، خصوصاً قبيل عيد الأضحى، مما أشاع حالة من الارتياح والتراخي في مختلف مناطق الجمهورية، بما في ذلك القاهرة والجيزة، وهما المحافظتان الأعلى في عدد الإصابات واللتان كانتا تتسمان بمستوى أعلى من الالتزام بالتدابير الاحترازية قياساً بالمحافظات الأخرى، ولا سيما المناطق الريفية.
وفي 27 يونيو/حزيران الماضي، ألغت الحكومة المصرية حظر التجوّل مع فرض قيود مخففة على حركة وسائل النقل العامة من منتصف الليل وحتى الرابعة صباحاً. ثمّ أعادت فتح المقاهي والمطاعم ودور السينما والمسارح والنوادي الرياضية الخاصة يومياً حتى منتصف الليل بنسبة إشغال 25 في المائة، وغلق المحال التجارية الأخرى في العاشرة مساء، مع استمرار الإلزام بارتداء الكمامات، واستمرار غلق الشواطئ والحدائق العامة وقاعات الأفراح والمآتم. لكن التطبيق العملي الرخو والمشوب بالفساد لتلك القرارات المخففة أساساً، أكسبها مزيداً من التخفيف. فعلى سبيل المثال، تم السماح لجميع أندية القوات المسلحة والقرى السياحية والفنادق في الساحل الشمالي والبحر الأحمر وجنوب سيناء بتشغيل الشواطئ بحجة أنها خاصة وليست عامة، مما تسبّب في خلق مزيد من بؤر الاختلاط والتواصل الاجتماعي.

كما تمّ السماح لقاعات فنادق ودور القوات المسلحة تحديداً دون غيرها من الفنادق وقاعات الاحتفال، باستضافة الحفلات والأفراح والمؤتمرات، علماً بأنه لا تتم مراعاة قواعد التباعد الاجتماعي في مثل تلك المناسبات، وهو ما فتح مجالاً سهلاً لنشر العدوى من جهة، وكرّس احتكار اقتصاد الجيش لهذا النشاط من جهة أخرى. ومن المناسبات التي استضافتها قاعة مملوكة للجيش بالإسكندرية أخيراً حفل زفاف نجل طارق العشري، المدير الفني للنادي المصري البورسعيدي لكرة القدم، قبل أيام من كشف إصابته مع 15 من لاعبي وإداريي النادي بالفيروس.
ويمكن للمراقب أن يكتشف بسهولة ضعف الالتزام بالتدابير الخاصة بالمقاهي والمطاعم، ولا سيما لناحية نسبة الإشغال على نطاق واسع في المناطق الشعبية والريفية، واقتصار الالتزام بذلك على بعض سلاسل المطاعم الشهيرة والأجنبية فقط، فضلاً عن لجوء المواطنين في مناطق عدة إلى المقاهي والمطاعم لعقد حفلاتهم الاجتماعية كبديل للقاعات المغلقة، وذلك كله بمعزل عن الرقابة الصحية.
أما السبب الثاني لبدء الموجة الثانية من كورونا، وفق المصادر، والذي صنعته الدولة، فهو انتخابات مجلس الشيوخ. فالتصويت في الانتخابات المقررة داخل مصر اليوم وغداً، والمتوقع أن يكون ضعيفاً لانعدام تأثير هذا المجلس الجديد وحسم المنافسة على معظم مقاعده، سبقته على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، ولا سيما في المحافظات ذات الطابع الريفي، وبالأخص في دوائر وجه بحري، ظاهرة المؤتمرات الانتخابية ومآدب الطعام المدعومة من المرشحين وأعضاء مجلس النواب الحاليين الذين استغلوا فترة الدعاية في انتخابات الشيوخ ليمهدوا لإعادة ترشيح أنفسهم، وإثبات شعبيتهم أمام الأجهزة المعنية باختيار المرشحين في قوائم الأحزاب الموالية للمخابرات العامة والأمن الوطني.
وأدت هذه الأنشطة إلى تجمعات كبيرة تتمتع بالحماية الأمنية، وقد زادت أعداد المشاركين فيها بسبب تزامنها مع عطلة عيد الأضحى. وبحسب مصادر طبية في محافظات الدقهلية والمنوفية والغربية والشرقية ودمياط، فقد زادت بشكل لافت أعداد مصابي كورونا وحالات الاشتباه في بعض الدوائر الانتخابية التي شهدت صراعاً على عقد المؤتمرات والمآدب، إلى حد أن بعض المستشفيات المحلية عجزت عن استيعاب الأعداد. أما السبب الثالث الذي ترصده المصادر، فهو توسّع وزارة الصحة في التخلص من الحالات المصابة عقب وقت قصير من إيداعها المستشفيات، وذلك عبر السماح بخروجها وقضائها باقي وقت العلاج في المنازل، كجزء من خطة الاعتماد بشكل أساسي على العزل المنزلي.

التعليمات السارية منذ شهر تنصّ على خروج الحالات المستقرة خلال أسبوع من تاريخ دخولها، من دون إجراء مزيد من الفحوصات

وفي السياق، كشفت مصادر في ديوان وزارة الصحة أنّ التعليمات السارية منذ شهر تقريباً تنصّ على خروج الحالات المستقرة خلال أسبوع من تاريخ دخولها، من دون إجراء مزيد من الفحوصات أو انتظار تحوّل نتيجة تحاليلها من موجبة إلى سالبة، وهو ما تسبب في إشاعة حالة من الاستهانة بالمرض في أوساط المصابين والمخالطين لهم، فضلاً عن عدم ملاءمة نسبة كبيرة من المساكن في المناطق الفقيرة والريفية في مصر لتطبيق العزل المنزلي بصورة صارمة، مما حوّل هذه الحالات المستقرة ظاهرياً إلى ما يشبه القنابل الموقوتة، التي يمكن نقل المرض بواسطتها للعشرات من المخالطين المباشرين وغير المباشرين.
يذكر أنّ الدولة توسعت منذ نهاية يونيو/حزيران الماضي في الاعتماد على العزل المنزلي، ما أدى إلى انتشار طرق العلاج بين المواطنين بصورة تقليدية، وهي ظاهرة توسّعت بسبب تخوف المواطنين المطّرد من التوجه للمستشفيات، بسبب شكاوى المصابين وذويهم من ضعف الإمكانيات وعدم توافر الأسرّة، خصوصاً في وحدات الرعاية المركزة؛ الأمر الذي تسبب في وجود عدد كبير من المصابين خارج منظومة الصحة الرسمية وبالتالي عدم تسجيلهم، بعدما اعتمدوا على أنفسهم أو أطباء في التشخيص بواسطة الأعراض.
وأوقفت وزارة الصحة ربط صرف العلاج من المستشفيات بوجوب إجراء تحليل PCR موجب للحالة، فمن الممكن الصرف بناء على الأشعة أو التشخيص الطبي الصادر عن طبيب للحالة طالما كانت معزولة منزلياً ولا يتطلب الوضع دخولها المستشفيات، مما ساهم في توفير العلاجات الرسمية أيضاً للمصابين وبالتالي استمرار عزلهم خارج منظومة التسجيل.
كما أوقفت الوزارة في 28 يونيو الماضي الإحصاء الخاص بعدد من تحولت تحاليلهم من موجبة إلى سالبة، والذين يكونون في طريقهم للتعافي، وهو الذي كان معتمداً على إجراء تحليل PCR مرة كل يومين أو ثلاثة لكل مصاب مسجل محجوز داخل المستشفى، إذ تمّ إلغاء هذا الأمر من الأساس لتوفير إمكانيات المعامل المركزية لخدمة حالات الاشتباه فقط، وكذلك الأشخاص الراغبين في السفر إلى الدول التي تشترط إجراء التحاليل. ويتجاوز العدد الإجمالي لحالات كورونا في مصر 95600 إصابة حالياً، بينما تم تسجيل أكثر من 5020 حالة وفاة لترتفع نسبتها إلى 5.24 في المائة لإجمالي الإصابات، وهي نسبة ما زالت مرتفعة قياساً بالدول القريبة من الحالة المصرية. وما زال يخضع للعلاج أكثر من 37 ألف حالة معظمها في العزل المنزلي.