ويعد المشفى السلطاني الأكبر في سلطنة عمان، ومن خلاله تم إدخال تقنية علاج البلازما المناعية والكلوروكين (دواء يستخدم للوقاية وعلاج أنواع معينة من الملاريا)، وعلاجات أخرى للحالات الحرجة، تزيد تكلفة الجرعة الواحدة منها عن 1300 ريال عماني (3381 دولارا أميركيا) في محاولة لإنقاذ جميع المصابين بالفيروس.
وتصل تكلفة علاج المصاب المحتجز في العناية المركزة إلى ألف ريال (2600 دولار) يوميا، علما بأن هناك حالات تمكث في العناية فترة تصل إلى 4 أسابيع وفق تأكيد الدكتور المصلحي لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أن من بين 31 حالة احتاجت الدخول إلى العناية المركزة بالسلطنة، كانت 21 منها بالمستشفى السلطاني تحديدا، والذي رقدت فيه 51 حالة مصابة بالفيروس حتى الآن، وغادرت 19 حالة منها، وتوفي 12 مريضا. فيما تتلقى بقية الحالات العلاج، لافتا إلى أن العدد الإجمالي للحالات التي دخلت المستشفى نتيجة الإصابة بالفيروس بلغ 90 حالة، وغادر منها 39 دون الحاجة إلى عناية مركزة.
وتتميز السلطنة بأنها الأقل في عدد الإصابات خليجيا، إذ بلغ عدد حالات كورونا المؤكدة في عمان 8373، ولم يزد عدد الوفيات عن 39 حالة حتى 29 مايو/أيار، وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية.
خطة احتواء الفيروس
قررت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا والتي تم تشكيلها بداية مارس/آذار الماضي، رفع الإغلاق الصحي عن محافظة مسقط اعتباراً من السابع والعشرين من مايو/أيار الجاري، مع الإبقاء على عزل مطرح الكبرى وولاية مسقط، ومنطقة السوق بولاية جعلان بني بوعلي، وإنهاء العمل بقرار إعفاء الموظفين من الحضور إلى مقرات العمل في الجهات الحكومية، وضرورة عودة ما لا يقل عن 50% من موظفي كل جهة وفق حساب "عمان تواجه كورونا" الرسمي على "تويتر" والذي يديره مركز التواصل_الحكومي بالأمانة العامة لمجلس الوزراء.
وسبق ذلك القرار إجراء 78 ألف فحص مخبري لفيروس كورونا حتى نهاية مايو الجاري، وفق الدكتورة حنان بنت سالم الكندي رئيسة القسم الفيروسي بمختبرات الصحة العامة المركزية بالمديرية العامة لمراقبة الأمراض، والتي قالت لـ"العربي الجديد" إنه يتم حاليا أخذ 2000 عينة يوميا، باستخدام جهاز PCR المعتمد دوليا.
وتستغرق نتائج تلك الفحوصات من يومين إلى ثلاثة أيام من تاريخ وصول العينة إلى المختبر، أما في حالة مرضى العناية المركزة أو ذوي الحالات غير المستقرة أو المرضى الأكثر عرضة للمخاطر فيتم إعطاؤهم الأولوية، وغالبا ما تتوفر نتائج فحوصهم خلال 24 أو 48 ساعة بحسب الدكتورة الكندي.
لكنها تقول إن المختبرات في السلطنة ما زالت تواجه تحديات، مثل وصول دفعات كبيرة جدا من العينات في وقت واحد خاصة أثناء فتح أبواب الفحص الميداني، بالإضافة إلى تأخر وصول الإمدادات من المحاليل والأجهزة في الوقت المطلوب نتيجة ظروف الحجر في البلدان المنتجة، ونقص العنصر البشري في حالة عودة أفراد الفريق المدرب المساند إلى جهات عملهم واستبدالهم بطاقم جديد.
ويقيّم الدكتور أحمد بن سالم المنظري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط النظام الصحي في سلطنة عمان، مشيدا بمواكبته للمستجدات وحرصه على الشراكة والتعاون مع محيطه الإقليمي والدولي، فضلا عن تمتعه بوجود الكوادر الطبية المؤهلة والمدربة، وتوفير أحدث التجهيزات اللازمة للاستجابة والطوارئ، الأمر الذي مكن القطاع الصحي العماني من التعامل بمهنية مع الاستجابة لفيروس كورونا من حيث رصد الحالات والتوسع في اكتشافها وتجهيز أماكن العزل والحجر الصحي حسب ما قاله لـ"العربي الجديد".
واعتمدت السلطنة إجراءات أخرى لمواجهة الفيروس المتفشي تمثلت في تحديد أقسام للتعامل مع الجائحة، مثل المنافذ الحدودية التي تضمنت استمارات الإفصاح عن السفر، وتعليمات للمسافرين من السلطنة والقادمين إليها، فضلا عن قسم القطاع الصحي الذي وضع أدلة استرشادية لمكافحة العدوى والتعامل مع المصابين وجثث الموتى، والعزل المنزلي والمؤسسي وتتبع المخالطين في المجتمع، ثم قسم التوعية المجتمعية وتحديث البيانات الخاصة بالفيروس، وفق الموقع الرسمي لوزارة الصحة العمانية.
عزل المناطق الموبوءة
انتهجت سلطنة عمان خطة تقوم على إخضاع أي منطقة شكلت بؤرة لتفشي فيروس كورونا للإغلاق والعزل، عن طريق نقاط تحكم وسيطرة للجهات الأمنية، للحد من الدخول أو الخروج والحركة فيها، وفق حمود بن محمد المنذري، المتحدث الرسمي ومنسق قطاع الإغاثة والإيواء بوزارة التنمية الاجتماعية العمانية، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن كل من كانوا في بؤر التفشي هم في عزل، أو حجر صحي، وتم فتح مراكز حجر في هذه المناطق من أجل فصل الحالات المصابة عن غيرها وفق قوله.
سبق ذلك افتتاح 34 مركزاً مؤسسياً للحجر الصحي (مبنى تشرف عليه المديريات العامة للخدمات الصحية) بحسب المنذري، مشيرا إلى وجود 3 فئات من مراكز الحجر، وهي فئة الحجر الصحي للأشخاص الذين ينبغي عزلهم للتأكد من إصابتهم لمدة 14 يوما، والثانية هي فئة الحالات المشتبه بها والتي ظهرت عليها بعض الأعراض، والثالثة فئة الحالات المصابة فعليا.
وتم تطبيق العزل المؤسسي على من لا تتوفر له الشروط الأساسية للعزل كغرفة نوم خاصة ودورة مياه مستقلة في المكان الذي يعيش فيه، وإذا توفرت تلك الشروط فيترك للشخص المجال بعزل نفسه، مع تعهد بمراعاة الاشتراطات الواجبة للتباعد المجتمعي وفق المنذري.
تجربة كتلك بدت ناجحة مع أسرة العماني سالم بن عبدالله الفوري، بعد إصابة والدته وأخيه وزوجة أخيه وعاملة منزلهم، عن طريق شقيقه بعد خروجه مع أحد أصدقائه، في ولاية السيب في محافظة مسقط، إذ تماثلوا للشفاء من الإصابة بالفيروس من خلال تطبيق قواعد العزل المنزلي والتباعد الجسدي وإجراءات الوقاية وفق ما يقوله الفوري، مؤكدا متابعة الجهات الصحية المعنية لوضعهم الصحي، للاطمئنان عليهم حتى تماثلوا للشفاء منتصف رمضان الفائت، بعد تقيدهم بالتعليمات الوقائية، حسب قوله لـ"العربي الجديد".
التغلب على مخاوف الأطقم الطبية
رغم ظهور القلق والتخوف بشكل كبير لدى الأطقم الطبية من العناية بمرضى كورونا في بداية الأزمة، خاصة مع الكم الهائل من المعلومات السلبية التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي دون أدلة علمية للكثير منها، إلا أن أقل من خمسة أشخاص لم يتمكنوا من التغلب على قلقهم وتركوا العمل في أماكن وجود مرضى كورونا. أما الباقون فقد استمروا في أداء مهمتهم الإنسانية بكل تضحية وإخلاص، بحسب ما رصده الدكتور المصلحي خلال عمله بالمشفى السلطاني.
لاحقا، حدثت إصابات محدودة لدى الكوادر الطبية نتيجة المخالطة المجتمعية، لكن الحالة الأكثر تأثيرا كانت لممرضة في قسم الولادة، كانت قد أصيبت بالفيروس بسبب مخالطتها لإحدى قريباتها مجتمعيا، وتسببت بإصابة ما يقارب ثلث الكادر التمريضي في قسم الولادة، ما استدعى عزل كل الكادر الطبي واتخاذ تدابير كالتعقيم وتغيير أجنحة التنويم، بحسب الدكتور المصلحي، مشيرا إلى أن التحدي الأبرز كان في كيفية الاستمرار في عمل الوحدة، مع عدم وجود أي نقص في أعداد الولادات في ظل تراجع عدد الكادر التمريضي المتخصص والذي يصعب تعويضه، ومع وجود مطالبات وتخوف من بقية الكادر التمريضي لإغلاق وحدة الولادة، ولحل هذه المشكلة تم تقسيم الأطقم الطبية في المستشفى السلطاني إلى فرق عمل بمختلف التخصصات، تعمل في أوقات مختلفة، بحيث لو اضطر المستشفى إلى عزل فريق فسيكون هناك فريق آخر لإكمال العمل وفق المصلحي.
الشفافية في مواجهة الفيروس
ساهم الوعي المجتمعي في الحد من انتشار فيروس كورونا في سلطنة عمان، لتسجل أقل عدد من حيث الحالات المصابة في دول الخليج، على الرغم من أنها لم تتخذ إجراءات حجر إجباري بحسب المنذري، مؤكدا أن تجربة السلطنة في مجال الحجر أو العزل المؤسسي غير الإجبارية كانت محل ثقة وتفهم لدى المواطن والمقيم.
وقدمت وزارة الصحة المعلومات والبيانات التي ساهمت في بناء الثقة لدى المواطن والمقيم وساعدت على اتباع مختلف الإرشادات المقدمة، وفق الدكتور المصلحي، لكنه يقول إن وجود أعداد كبيرة من الوافدين في سكن الشركات أو في منازل مستأجرة وعدم التزامهم بشروط ومبادئ التباعد الاجتماعي، ساهما في انتشار الفيروس، إذ إن أعداد الإصابات أكبر في مسقط، خاصة من غير العمانيين.
ولعب الإعلام العماني دورا إيجابيا في الإقناع والتأثير على الجمهور بالالتزام الطوعي، وفق تقييم الدكتور محمد بن عوض المشيخي، الأكاديمي والباحث المختص بالرأي العام والاتصال الجماهيري بجامعة السلطان قابوس والذي قال لـ"العربي الجديد": "ساهم الإعلام في نجاح عملية الحد من انتشار الوباء، كما استطاع أن يقدم المعلومة الدقيقة من مصادرها بالسرعة المطلوبة، وساهم في نشر تفاصيل الإجراءات الوقائية والتباعد الاجتماعي لمناطق في السلطنة قبل أن يصل إليها الوباء".
لكن على الرغم مما سبق من نجاح، لم تسنح الفرصة الحقيقية للإعلام العماني حتى الآن في تقييم فاعلية الإجراءات وتفعيل دوره الرقابي من خلال البحث والتقصي ميدانياً، بحسب الدكتور المشيخي الذي أعاد ذلك إلى غياب ما يعرف بالصحافة الاستقصائية في المشهد الصحافي العماني، قائلاً: "نحن بدورنا في جامعة السلطان قابوس نحث على العمل بهذا النوع من فنون الصحافة لأهميتها في الكشف عن جوانب القصور لأصحاب القرار".