كواليس زيارة ماكرون إلى بيروت ولقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين

07 اغسطس 2020
اجتماع قصر الصنوبر لم يكن هادئاً (حسين بيضون)
+ الخط -

غادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان بعد زيارة قصيرة بجدول برنامجٍ مكثفٍ عنوانه العريض "لا شيك على بياض يُحرَّر لدولةٍ فاقدة للثقة الشعبية ولن نضع الملايين في جيوب المسؤولين من دون جملة إصلاحات". وتأتي الزيارة بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت وفي ظل الأزمات الاقصتادية والمعيشية الخانقة التي يعاني منها لبنان.

 من هنا حرصَ ماكرون على بدء جولته من مرفأ بيروت موقع الانفجار واستكملها بتفقد الأحياء المتضرّرة في الجمّيزة ولقاءِ مواطنين عبّروا له عن رفضهم للسلطة الحاكمة وطالبوا برحيلها ورفعوا شعارات أطلقت في انتفاضة 17 أكتوبر، فكان رده التأكيد على أن الدعم الذي ستقدمه باريس لن يذهب إلى "الأيادي الفاسدة".

وأعلن الرئيس الفرنسي لمواطنين لبنانيين أنه أتى ليقترح على القوى السياسية اتفاقاً سياسياً جديداً بطعم دوليّ مشروط، كان محطّ نقاش في لقاءاته مع الرؤساء الثلاثة ميشال عون وحسان دياب ونبيه بري داخل قصر بعبدا، وفي الاجتماع الذي عقده مع رؤساء الكتل اللبنانية في قصر الصنوبر – بيروت حيث الحدث السياسي الأبرز قبل عودة ماكرون مطلع سبتمبر/أيلول المقبل إلى لبنان.

تدويل التحقيق

اجتماع قصر الصنوبر، لم يكن هادئاً على الإطلاق وشمل كل القوى السياسية التي عجزت عن إجراء الإصلاحات، علماً أنّه جمع للمرة الأولى جميع رؤساء الكتل النيابية بمن فيهم "الوفاء للمقاومة" التي تمثّل "حزب الله" من دون تسجيل أي مقاطعة بعكس لقاءي الحوار اللذين كان قد دعا إليهما الرئيس ميشال عون في الفترة الماضية، فشهدت الغرفة المغلقة توبيخاً وتأنيباً للحاضرين، بحسب ما أكده إلياس حنكش النائب في "حزب الكتائب اللبنانية" (يرأسها النائب سامي جميل وخسر أمينه العام نزار نجاريان في الانفجار) لـ"العربي الجديد".

وقال حنكش: "اتّسمت زيارة الرئيس الفرنسي بتأكيده وتشديده على أنه لا ثقة بالسلطة السياسية وحتى القضائية فرنسياً ودولياً وحضوره فقط هو للوقوف إلى جانب الشعب اللبناني، من هنا المطالبة بلجنة تحقيق دولية، وتحويل المساعدات إلى منظمات وجمعيات دولية ومباشرة إلى المتضرّرين لا للدولة اللبنانية، كذلك لا ثقة بالبرلمان وضرورة الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة".

اتّسمت زيارة الرئيس الفرنسي بتأكيده وتشديده على أن لا ثقة بالسلطة السياسية وحتى القضائية فرنسياً ودوليا

وأضاف النائب اللبناني ملخصاً حديث ماكرون: "بطبيعة الحال، إن المجتمع الدولي فقد الثقة بالحكومة، الأمر الذي يحتم إجراء انتخابات نيابية مبكرة بإطار حكومة ثقة قادرة على إدارة المرحلة، تكون مستقلة عن المنظومة السياسية القائمة على الفساد والمحاصصة وتضمّ أشخاصاً مشهودا لهم بالكفاءة".

بدوره، أشار النائب أنيس نصّار الذي ينتمي الى "تكتل الجمهورية القوية" الذي يرأسه سمير جعجع، لـ"العربي الجديد"، الى أنّ "الرئيس الفرنسي تحدث بأمور جوهرية، تماماً كما فعل المجتمع الدولي والعالم العربي، وهذه دول قدمت أساطيل من الدعم للبنان في محنته الراهنة من جراء التفجير بطريقة تجعلنا نتأكد أنها تقف إلى جانب البلاد في الأزمات".

ولفت نصّار إلى أن "ماكرون قصد بتغيير النظام، أي الحكم الخالي من الفساد والهدر، وهو استمع إلى المواطنين اللبنانيين الذين شكروه على المساعدات وطالبوه بعدم إعطائها للسياسيين وهو فهم ذلك، ويبدو أن المساعدات آتية في ظل تركيزه المتواصل على الإصلاحات التي باتت معروفة للجميع".

وأضاف: "نتوقع خيراً من الزيارة، وهول المصيبة يتطلب لجنة تحقيق دولية وتكتل الجمهورية القوية طرح الموضوع في اجتماعه الأخير باعتبار أن لا ثقة بأي لجنة محلية تشكلها السلطة التي عادة ما تكون مهمتها لفلفة القضايا".

وقال النائب اللبناني: "جرّبنا حكومات الوحدة الوطنية وغيرها وطالبنا سابقاً بحكومة حيادية وتكنوقراط لكن ما من حيادي في المجلس الوزاري الحالي وظهر ذلك باستقالة وزير الخارجية ناصيف حتّي، الذي عيّن بدلاً عنه في أقلّ من أربع وعشرين ساعة، وبالتالي فإنّ حكومة الوحدة الوطنية لها أصولها ويجب عدم نقل الصراع ولا سيما الخارجي إلى الداخل".

من جهته، قال النائب هادي أبو الحسن عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" (يرأسها النائب تيمور جنبلاط نجل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط)، إنّ ملاحظات ماكرون "في مكانها الصحيح، ونحن من أشد المطالبين بتغيير النظام السياسي الذي لم ينتج سوى الويلات ونؤمن بأن المدخل السياسي للخروج من الأزمة يكون بتطوير النظام السياسي وإقامة دولة مدنية ومع تقديرنا للموقع وللشخص ولكن هناك جدل في لبنان حول موقع الرئاسة، لذلك تمكن الرئيس الفرنسي من جمع الكتل النيابية الممثلة برؤسائها من دون تسجيل أي مقاطعة".

ولفت أبو الحسن إلى أن "4 أغسطس ليس كما بعده، حيث إن لبنان أمام كارثة وواقع لا يمكن تجاوزه، وبالتالي فإننا مقبلون على مسار سياسي مختلف، ولم تعد الأمور تستقيم بالمسايرة والمواربة. كما أن التغيير الجذري يحتاج إلى مواقف وخطوات وليس أقلها تلك التي أعلن عنها "اللقاء الديمقراطي" باستقالة الحكومة وإعادة إنتاج السكة عبر انتخابات نيابية مبكرة مع ضرورة إجراء تحقيق دولي بانفجار مرفأ بيروت.

وعن استقالة النائب مروان حمادة وهو عضو في اللقاء، قال أبو الحسن: "مروان حمادة لديه مسار طويل في العمل السياسي وتعرض لمحاولة اغتيال عام 2004 وعبّر عن رأيه بطريقته وإن لا نلتقي معه بالخطوة التي قام بها، لكن لا نريد أن نترك الفراغ حتى يملأه الخصم ويستكمل القبض والسيطرة على الدولة".

شبح الحرب الأهلية

وعلى صعيد "كتلة الوفاء للمقاومة" التابعة لـ"حزب الله"، يقول النائب أنور جمعة لـ"العربي الجديد" إنّ "فرنسا ستقدّم المساعدات وهذا أمرٌ إيجابيٌّ تماماً كتقديمها الخبرات التي تمتلكها في التحقيق بالتفجير، ولكن تغيير النظام السياسي أي اتفاق الطائف لا يفرض من رئيس دولة خارجية ومن شأنه أن يعيدنا إلى الحرب الأهلية".

ويشير جمعة إلى أن" ماكرون تطرق إلى أمور كثيرة في مؤتمره، منها تحميل الشعب مسؤولية قراره بانتخاب الطبقة السياسية بطريقة تحمل إهانة للحكم والناخب وكأن الانتخاب إدانة، علماً أنّ الاستحقاق النيابي تمّ وفق القانون النسبي وهو الأفضل في تاريخ لبنان وإن لم يكن مثالياً"، حسب تعبيره.

وسجل النائب اللبناني عتباً على الإعلام وأسئلة الصحافيين التي طرحت على ماكرون وكأنه رئيس لبنان، فما كان منه إلا أن أكد مراراً وتكرارا أنه ليس لبنانياً وعلى الطبقة السياسية أن تقرر وتجد الحلول، وكذلك تطرق إلى الثورة الشعبية من خلال وصفه بأن الثورة ليست "عزيمة" وعلى الشعب أن يقوم بها.

ولفت النائب في "الوفاء للمقاومة" إلى أنّه طعن في وطنيته وحبه للبنان من خلال الأسئلة التي طرحت من صحافيين: وكأنهم غير لبنانيين وصل بهم الأمر إلى الحديث عن انتداب ووصاية وسؤاله عن إحضار أمر رسمي لتوقيف المسؤولين اللبنانيين الذين قتلوا الشعب اللبناني علماً أني شخصياً تلقيت تنبيهات من زيارة ماكرون وأنه حورب من قبل شعبه ولم يعطه حقوقه ونزل الفرنسيون لأول مرة بتاريخ فرنسا بالسترات الصفراء نتيجة ما قام به تجاههم، وللأسف شعرت بأن وطني ضعيف إلى حد تصديق البعض لمزاعم العدو الإسرائيلي".

"منعطف كبير حصل في 4 أغسطس"، يقول النائب في "تكتل لبنان القوي" (يرأسه النائب جبران باسيل) إدي معلوف لـ"العربي الجديد" ،سواء من تداعيات الحدث الكبيرة على بيروت أولاً ومن حيث الدمار والضحايا والجرحى والمشكلة التي خلقها المرفأ بأزمة اقتصادية وأخرى صحية مرتبطة بفيروس كورونا إلى جانب الإهمال الذي سمح للانفجار بالحصول وهذا أمر غير مقبول.

ورأى معلوف أن زيارة الرئيس الفرنسي "أعطت أملاً بأن لبنان ليس وحيداً، ومن الطبيعي أن يخصص مساعدات مباشرة للشعب لأن التجارب السابقة والماضية لم تكن مشجعة، وماكرون لا يريد الوقوع بالخطأ مرتين وأكثر، وهذه رسالة إلى الدولة اللبنانية، من هنا أتت مطالبته بالإصلاحات وهذه خطوات قام بها تكتلنا الذي نادى بالإصلاح وعمل على قوانين إصلاحية، منها رفع الحصانة، والسرية المصرفية، ومحاسبة من هرّب الأموال وما إلى ذلك.

وقال إن "أي تغيير وزاري أو حكومي لن يحقق أي نتائج من دون التوافق على الإصلاحات، ويبقى ثانوياً"، مشيراً إلى أنّ الاجتماع حمل توبيخاً فرنسياً بأنه بغياب الإصلاحات لا يمكن الاستمرار في مساعدة لبنان، وما أطلقه في الخارج من مواقف قوية قالها بشكل أقوى في الاجتماع.

ويرى سامي فتفت النائب في "كتلة المستقبل النيابية" التي يرأسها سعد الحريري لـ"العربي الجديد" أن زيارة ماكرون "كان لا بد منها، والانفجار الكبير الذي وقع في بيروت جمع الأطراف السياسية على طاولة واحدة، والرئيس الفرنسي أراد تنبيه الجميع إلى أن الظرف الذي تعيشه البلاد يعود بسببه إلينا".

وأضاف أن فرنسا "لديها مصلحة شخصية وتربطها علاقة تاريخية مع لبنان، وهناك فرصة أمامنا لتقوية العلاقات اللبنانية الفرنسية ولا سيما أن ماكرون يبذل جهوداً كثيرة ربما أكثر من غيره، علماً أننا نعيش صدمة كبيرة ونمرّ بمرحلة صعبة والناس فقدت الثقة بجميع الطبقة السياسية ولا سيما منذ انتفاضة 17 أكتوبر وزادت اليوم لأن الوجع لا يُحتَمَل".

ويلفت فتفت إلى أن ماكرون يريد تحقيق إصلاحات بنيوية جدية وهذا الأمر يتم عبر مجلس النواب من خلال إقرار قوانين إصلاحية، وأي حكومة جديدة حتماً ستكون أفضل من تلك الموجودة اليوم.

وشدد على أن المرحلة تتطلب الجلوس معاً وتخطي الخصام والصراع إذ لا يمكن الاستمرار بهذه الطريقة، خصوصاً أن المشاكل كثيرة وإلى تزايد، والملفات المطروحة على الطاولة عديدة ومنها سلاح "حزب الله" الذي عاد ليطرح أكثر من أي وقتٍ مضى وبات على لسان كل لبناني. "وأنا أرى أننا على باب مرحلة انتقالية وعلى الشعب أن يقرّرَ ماذا يريد".

وأكد الرئيس الفرنسي أنه سيصار إلى تنظيم مؤتمر دولي لدعم بيروت والشعب اللبناني يهدف إلى حشد التمويل، والمساعدات الدولية من الأوروبيين والأميركيين ودول المنطقة تتضمن مواد غذائية وأدوية وملاجئ للذين تضررت منازلهم من جراء الانفجار.

كما تحدث عن أن الأمم المتحدة والبنك الدولي سيتوليان عملية تحديد الاحتياجات ومساعدة الشعب اللبناني في إطار شفاف منعاً لهدر الأموال.

المساهمون