كهف إرونغو في الغابون يكشف تاريخاً مجهولاً

10 مارس 2020
الآثار داخل كهف وسط غابة غابونية كثيفة (Getty)
+ الخط -
قد تساعد مجموعة عظام بشرية تعود للقرن الرابع عشر، اكتشفت داخل كهف وسط غابة غابونية كثيفة، في إلقاء بعض الضوء على تاريخ أفريقيا الوسطى الذي لا يزال غير معروف جداً.

في نهاية عام 2018 عثر عالم الآثار ريشار أوليسلي، في جنوب الغابون على هذا الكهف الذي ضم هياكل عظمية وقطعاً عائدة للقرون الوسطى. وبعد عملية نزول على حبل طوله 25 متراً للوصول إلى قاع الكهف، لم يكتشف العالم الماس أو الذهب، بل كنزاً فعلياً للباحثين.

فقد عثر في كهف إيرونغو على نحو 30 هيكلاً عظمياً وأكثر من 500 قطعة معدنية، غالبيتها من الحديد مثل السكاكين والفؤوس والسهام والأساور والقلادات، و39 سنا مثقوبة عائدة لفهود وضبعات، وهي منثورة على ثلاثة مستويات.

وبعد عام من هذا الاكتشاف، بدأ الباحث الفرنسي يدرس هذه الآثار. إذ وصل فريق من خبراء علم الإناسة الحيوية لدراسة هذه العظام التي تثير الحماسة والأمل في الأوساط العلمية في هذا الجزء من القارة.

ويقول أوليسلي (69 عاماً) الذي يرأس مهمة تمولها الوكالة الوطنية للمتنزهات الوطنية وإدارة البيئة والتنمية المستدامة، في مجموعة "أولام" السنغافورية الناشطة جداً في الغابون في مجال زيت شجر النخيل، إنه "اكتشاف فريد من نوعه في أفريقيا، لأن البقايا البشرية شبه غائبة فيها".

ويضيف من مكتبه في ليبرفيل المليء بآثار محلية "هذا الكهف سيساعدنا على معرفة المزيد عن شعوب أفريقيا الوسطى غير المعروفة بشكل واسع في التاريخ".

ويشير عالم الآثار في معهد "البحث من أجل التنمية" جوفري سوليو: "في أفريقيا جنوب الصحراء نسبة الحموضة في التربة مرتفعة جداً، وكل الموارد الحيوانية أو البشرية تتحلل بسرعة كبيرة. العثور على بقايا كهذه استثنائي جداً".

وسمح تأريخ بالكربون المشع لنحو عشر عظام ورك بإرجاع هذه البقايا البشرية إلى القرن الرابع عشر. ويرتدي هذا الاكتشاف أهمية كبرى، لأن آثار الماضي نادرة جدا في هذه المنطقة، لأن الحفريات الأثرية أتت متاخرة، ولا تزال لا تحظى بالتمويل الكافي.

وتعود المصادر الأولى المكتوبة في الغابون إلى وصول الأوروبيين الذين أدركوا سواحلها نهاية القرن الخامس عشر. لكن المستكشفين لم يغوصوا في أراضيها المغطاة بكاملها تقريباً بغابة مهيبة وخطرة إلا في القرن التاسع عشر. أما المصادر الشفوية من تاريخ العشائر التي تتناقلها العائلات من جيل إلى جيل في القرى، "فلم تكن تسمح بالعودة إلا لقرن أو قرنين إلى الوراء"، على ما يقول لوي بيروا وهو عالم إناسة فرنسي دوّن التقاليد الشفوية لجزء كبير من البلاد، في نهاية الستينيات.
 
في البلدات المحيطة بإيرونغو طرح الباحثون أسئلة كثيرة على القدامى. لكن أحداً لم يكن على علم بوجود هذا الكهف، ولا فكرة لديهم حول هوية الرجال والنساء فيها. وأرسلت أضراس إلى مختبر في فرنسا، لإجراء تحليل الحمض النووي. 

ويمكن للباحثين الاعتماد أيضاً على قاعدة حمض نووي متينة للبيانات اللعابية للسكان في كل أفريقيا الوسطى، جمعها علماء لغة "لمقارنة البيانات وإيجاد ورثة هذه الهياكل العظمية" على ما يأمل أوليسلي.

ويعكف عالما إناسة حيوية متخصصان بأمراض العظام في قاع الكهف على استخراج معلومات من هذه العظام. ويقول أوليسلي "سنعرف المزيد عن الحمية الغذائية لهؤلاء الأشخاص والأمراض التي قد يكونون أصيبوا بها خلال حياتهم".

وكشف كهف إيرونغو إرثاً شبه فريد من نوعه. فباستثناء كومة من العظام البشرية التي نبشت في الستينيات، في بنين سيتي جنوب نيجيريا، يشكل الاكتشاف الوحيد الذي دفن فيه أشخاص يكتشف في هذه المنطقة من العالم.

وتعود العظام في بنين ستيتي وإيرونغو إلى القرن الرابع عشر الذي انهارت خلاله الكثير من الحضارات الأفريقية، على ما يفيد مؤرخون عدة. وفي الوقت عينه كان مرض الطاعون يجتاح آسيا وأوروبا. فهل يكون هذا المرض ضرب القارة الأفريقية أيضاً؟ قد يجد اكتشاف ريشار أوليسلي جواباً لهذه الفرضية. ويوضح سوليو "في بنين سيتي تلف الحمض النووي، أما عظام إرونغو فهي لا تزال في وضع ممتاز".

(فرانس برس)
المساهمون