هناك رأي يقول، إن الأعباء التي تتحمّلها البلدان الغربية من تبعات اللجوء، لم تكن بلا مقابل، فتبرّعت سورية من جانبها بساحات القتال الكبرى.
في مستهل القرن الواحد والعشرين، بات العدو المعلن للعالم هو الإرهاب، من دون النظر إلى أسبابه، حيث إن الغرب لا يقبل أن يكون موضع الاتهام، وإن كانوا جادين في تنظيف بلدانهم من المتمردين على حضارتهم المتقدمة، ناكري الجميل، رافضي الاندماج، والمحتجين على أوضاعهم المتدنية... وغدت أمراً غير قابل للنقاش.
اتخذ الغرب قراراً استراتيجياً بخوض معركته الفاصلة ضد الإرهاب في سورية، بعدما باتت دولة بلا حدود، تعج بمليشيات المقاتلين الإسلامويين من جنسيات غربية متعددة، تميّز قدومهم بالفوضى والتشرذم؛ هؤلاء أعداء الغرب، لا المليشيات المذهبية التي تدفقت في موجات منضبطة تحت رعاية إيران الدولة الإقليمية الطامحة إلى استعادة مخيالها الإمبراطوري.
القرار في محلّه، اذ يستحيل لهذه المعركة الشعواء أن تؤتي ثمارها إلا بتوفير مساحات شاسعة، تسمح بتجميع أكبر قدر من الإرهابيين، واستعمال كافة صنوف الأسلحة الحديثة التي تقتل بالجملة، والأخذ بالاعتبار أن الأسلحة رغم حداثتها، لا تميز بين الإرهابيين والمدنيين، حتى الأطفال لا يمكن استثناؤهم. بينما على النظام التبرّع بالضحايا، باعتبارهم خسائر بشرية جانبية ناجمة عن العمليات الحربية. ولئلا يشعر الغرب بالذنب اعتبرت المدن والقرى والأرياف والصحاري، بيئات حاضنة للإرهاب، والأطفال مشاريع إرهابيين.
من هنا يمكن تفهّم وجه تعاطفهم مع "الرئيس اللطيف"، ولو كان دكتاتوراً مجرماً. فاستغل الرئيس المحبوب شعبيته، وحُسن تفهّم الغرب لعلمانيته الجذرية، وسخاءه في قتل معارضيه على أنهم إرهابيون، ما خلّف ملايين السوريين ما بين قتيل ومعاق ونازح ولاجئ.
عمل النظام على هذا العمل الخيري مبكراً، بتربية طاقم من المتأسلمين في معتقلات، كانت معامل إنتاج لهذه الأنواع المتطرّفة، بعدما كادت أن تنقرض بالإعدامات الفردية والجماعية، كما في مجزرة حماة، والموت البطيء وبالتقسيط في سجن تدمر. واكتشف في مختبراته المخابراتية أن الإرهاب، مادة صالحة لحمايته، تكفل استمراريته. أطلقه على الأرض كإرهاب مضمون النتائج، بعدما أخذت السجون على عاتقها توليد أجيال منهم لا يفهمون عظمة الإسلام إلا في قطع الرؤوس والأيدي وسبي النساء، أما الرحمة في دين جاء رحمة للعالمين، فلا مكان لها في زمن التوحش الرأسمالي والمتوحشين الإمبرياليين.
أنقذ الإرهاب النظام في محنته الكبرى مع الثورة، وتعزز وجوده باستجرار واستقدام أربعة احتلالات، لمساعدته في تجريف البلد بحثاً عن جحور الإرهابيين.
قد تبدو هذه النظرة غير صحيحة في تفاصيلها، وربما غير منسجمة في خطوطها العريضة، لكنها مقنعة لهواة نظرية المؤامرة، وإذا كان الكثيرون وثقوا بها، فكما بدا لهم، أنها روعيت بشكل غامض من خلال قنوات سرية. لكن ما يوثق به أكثر، هو أن الغرب استثمرها على نحو حصد النتائج نفسها، كما لو كانت الحقيقة.