لم يتركوا نقيصة إلا وألصقوها بالمعارضين والرافضين لمشروع توسعة قناة السويس، ولم يتركوا مذمة إلا ولاحقوا بها المتحفظين على التفريعة الجديدة التي تم افتتاحها يوم 6 أغسطس الماضي، في احتفال أسطوري كلف موازنة البلاد الخاوية ملايين الجنيهات.
وصفوا المعارضين والمتحفظين على توسعة قناة السويس بالخونة والعملاء والطابور الخامس وكارهي البلاد والناقمين عليها، لم يكتفوا بالتريقة والتندر عليهم ومهاجمتهم على صفحات الجرائد وفي كل وسائل الإعلام، بل راحوا يطالبون بإسقاط الجنسية عنهم، وطردهم من الجنة الموعودة لأنهم لا يريدون لمصر أن تفرح، وأنهم يكرهون الخير الوفير للمصريين.
لم يسمعوا لصوت العقل والعقلاء من بنوك الاستثمار وشركات الاستشارات ودراسات الجدوى المحلية والدولية، وتهكموا على تعليقات وآراء خبراء الاقتصاد والتجارة الدولية والاقتصاد البحري، عندما قالوا لهم بصوت واحد "لا يوجد مبرر واحد لمشروع التوسعة الجديدة، فالاقتصاد العالمي يمر بمرحلة حرجة، والتجارة الدولية في حالة بطء شديد، وثاني أكبر اقتصاد عالمي، أقصد الاقتصاد الصيني، يمر بأزمة خانقة أثرت بقوة على صادراته لأوروبا ووارداته من المواد الخام والسلع الوسيطة، والاقتصاد الأوروبي لا يسر عدوا أو حبيباً، خاصة مع تهاوي الصادرات الألمانية وتفجر أزمتي اليونان وفولكسفاغن، وسوق النفط يتهاوي ولا أمل قريب في تعافيه، والوضع في باب المندب مقلق.
قال لهم المعارضون لتوسعة القناة " إنه طور (ثور)"، قلتم لهم "سنحلبوه رغماً عنكم"، وأصررتم على ذلكم، قادكم الغرور والعناد للتشكيك في كلام العقلاء ومحبي هذا الوطن والخائفين عليه، وعلى موارده المحدودة وناسه الطيبين.
اقرأ أيضا:تراجع إيرادات قناة السويس 9% في أغسطس رغم التوسعة
الآن وبعد أن حصص الحق وتبين للجميع أن معارضي توسعة القناة كانوا على حق وأن وجهة نظرهم كانت صائبة، هل من حق هؤلاء أن يطالبوا بمحاكمة القائمين على مشروع توسعة قناة السويس؟
"حصحصة الحق" لم تأت هذه المرة في شكل تقرير صادر عن مؤسسة دولية أو على لسان خبراء، لكنها جاءت في شكل اعتراف صريح لرئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش يوم الأحد، قال فيه لجريدة (البورصة) المصرية إن إيرادات القناة تراجعت خلال شهر أغسطس الماضي بنسبة 9.5%، بسبب تراجع حركة نمو الاقتصاد العالمي وبصفة خاصة الصين، وتراجع الاستهلاك العالمي للبترول.
الرجل يقول حرفياً ما سبق أن قاله منتقدو المشروع لدى اعتراضهم على التفريعة الجديدة؛ وهو أن ظروف التجارة الدولية والاقتصاد العالمي لا تبرر عمل توسعات بالقناة، وضخ مليارات الجنيهات في صورة استثمارات جديدة.
لم يكتف مميش بهذه القنبلة المعروفة سلفاً للجميع، بمن فيهم القائمون على مشروع التوسعة، بل ألقى في وجهنا قنبلة أخرى أكثر أهمية، وهي أن عدد السفن المارة بقناة السويس خلال أغسطس زادت بمعدل 8 سفن فقط طوال الشهر.
طبعا "فاكرين" حينما خرجت علينا صحف كبرى في صبيحة اليوم التالي لافتتاح التفريعة "7 أغسطس"، لتبشر المصريين بأن عدد السفن المارة بالقناة ارتفع من 46 إلى 60 سفينة يوميا، بل أوصلتها بعض الصحف إلى رقم 90 سفينة.
إذن من حق المعارضين لتوسعة القناة والذين ثبتت صحة وجهة نظرهم باعتراف الفريق مهاب مميش أن يطالبوا بمحاكمة الذين أصروا على تنفيذ المشروع رغم كل هذه التحذيرات، ومحاكمتهم ليس على جريمة واحدة بل على عدة جرائم منها:
- إهدار المال العام لأنهم كلفوا خزانة الدولة أكثر من 100 مليار جنيه "ما يعادل 12.5 مليار دولار"، منها 64 مليار جنيه قيمة الأموال التي تم جمعها للتفريعة، وأكثر من 40 مليار جنيه عبارة عن تكلفة أموال أو أسعار فائدة سيتم سدادها على الأموال المقترضة لمدة 5 سنوات.
- إهدار مدخرات المجتمع واستثمارها في مجالات لا تدر ربحاً، بل وتمثل عبئا للمالية العامة، لأنه بدلا من أن تؤول إيرادات قناة السويس للخزانة العامة كما جرت العادة منذ افتتاحها، سيؤول جزء كبير منها لأصحاب شهادات استثمار القناة.
- إشغال المجتمع بمشروعات قلنا سابقا إنه لا طائل من ورائها الآن، وأن هناك ما هو أهم بكثير منها مثل مشروعات تشغيل الشباب والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإعادة تشغيل مئات المصانع المغلقة ومكافحة الفقر والبطالة وإعادة هيكلة البنية التحتية المهترئة.
لن أعيد لأذكر بمانشيتات الصحف الصادرة في اليوم التالي لإطلاق التفريعة الجديدة من عينة: "انتصرنا"، وسنقدم المزيد للإنسانية.. فجر جديد.. أنا المصري.. مصر فرحت ونجحت. وانطلق قطار تنمية محور القناة، مصر تعطي إشارة البدء لحفر قناة السويس الثالثة بنيكاراغوا.
اقرأ أيضا:قناة السويس استقبلت 8 سفن زيادة في أغسطس..ونشطاء يسخرون