كل سنة وأنت طيب
ليس هناك من ذهب إلى مصر، زائراً أو مقيماً، ولم تصادفه عبارة "كل سنة وأنت طيب". عبارة متداولة على كل لسان، وفي كل المواسم. ليست مرتبطة بمناسبة، هي وسيلة ترحيب بالدرجة الأولى، وطلب الإكرامية بطريقة مختلفة. تسمعها من سائق التاكسي أو الدليل السياحي وفي المطاعم، وحتى من الموظفين في مطار القاهرة لدى استقبالك، ولدى مغادرتك.
لا يمكن لمن عايش هذه الحالة من العرب والمصريين الذين يتندر كثيرون منهم على هذه اللازمة، إلا أن يستعيدها في ذهنه، وهو يرى صورة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يقطع قالب حلوى عيد ميلاد ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان. ويتخيل الرئيس المصري يتلو على ضيفه عبارات التهنئة بعيد ميلاده، وفي مقدمتها "كل سنة وأنت طيب". وهو، بالتأكيد، يقصد ما تعنيه هذه العبارة، وما يرمى من ورائها، عندما يتم تردادها في الشارع. فالهدف المعلن للنظام المصري، وبغض النظر عن تسريب "معاهم فلوس زي الرز"، هو استدراج ما أمكن من أموال إلى الداخل المصري، تحقق للسيسي "إنجازات" يصبو إليها، وبعض الوعود التي قطعها خلال وقبل وبعد حملته الانتخابية ووصوله إلى الرئاسة.
لهذا الغرض، يأتي المؤتمر الاقتصادي، الملتئم في شرم الشيخ منذ يوم أمس الجمعة. مؤتمر يهدف إلى جذب الاستثمارات والأموال، كيفما اتفق، بدون خطط واضحة. ويحيل المشهد، أيضاً، على لقطة من فيلم مصري حديث نسبياً عنوانه "عايز حقي"، وفيه جمع بطل الفيلم المستثمرين العرب والعالميين، لبيع حصة المواطن من المال العام في مصر. مؤتمر ذلك الفيلم الافتراضي مشابه إلى حد ما مع مؤتمر الواقع الحالي. المطلوب واحد، مع فارق أنه، في ذلك الفيلم، كانت هناك أصوات تطالب البطل بالتراجع عن مسعاه، فيما في الواقع لا يتوقف المطبلون، إعلاميون ومثقفون واقتصاديون، عن الإشادة بإجراءات النظام و"حكمته". المطبلون أنفسهم الذين كانوا يروجون، في السابق، بيع الهرم في عهد محمد مرسي، من دون أن يسألوا، اليوم، ماذا يبيع السيسي في مقابل ما يسعى إليه من أموال؟
وإذا كان بطل الفيلم المذكور أعلاه قد تراجع في لحظة صحوة ضمير، على غرار النهايات الطوباوية للأفلام العربية، عن البيع، فإن النظام الحالي ماض في البيع إلى ما هو أبعد من مصر. ولعل ما نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، قبل أيام، دليل على ذلك. فقد أكدت أنباء راجت، الشهر الماضي، عن أن السيسي عرض منح الفلسطينيين 1600 كيلومتر مربع من سيناء، في إطار تسوية شاملة، لتكون هذه الأرض امتداداً لقطاع غزة، وتستقبل اللاجئين الفلسطينيين الراغبين في العودة إلى ديارهم، بديلاً عن حق العودة. لم ينف أي من المسؤولين المصريين المقترح، وكذلك بالنسبة إلى المسؤولين الفلسطينيين، لكنه لم يحظ بالتفاعل المناسب لحجمه وخطورته على أكثر من صعيد، داخلي أم خارجي. فعلى الصعيد الداخلي، ها هو السيسي يفرط بالأراضي المصرية من دون أي استشارة، وكأنه يقدم قطعة أرض ملكية شخصية. ولو لم يرفض الإسرائيليون المقترح خشية وجود دولة فلسطينية بمنافذ بحرية وبرية واسعة، لكان الرئيس المصري في طريقه إلى بيع جزء من سيناء. لكن السؤال هو لمصلحة من هذا البيع وما المقابل؟ وعلى الصعيد الخارجي، يبيع مقترح السيسي أساس القضية الفلسطينية؛ وهي عودة اللاجئين إلى ديارهم، بتقديم أرض بديلة، في سياق مختلف عن فكرة "الوطن البديل" التي يروجها أفيغدور ليبرمان. فإذا كان الأخير يطرح الأردن ليكون هذا الوطن، ها هو السيسي يقدّم سيناء.
يبدو أن سياق الحكم في مصر ماضٍ في البيع بأشكال مختلفة، بالجملة أو بالتجزئة، لا فرق، طالما يحقق المردود المطلوب، وفق منطق "كل سنة وأنت طيب".