كلام التهدئة وأفعال التأجيج

19 نوفمبر 2014

عبد الله الثاني وكيري ونتنياهو في عمان (13نوفمبر/2014/Getty)

+ الخط -

في اللقاء الثلاثي، في عمّان، الذي جمع نتنياهو مع وزير الخارجية الأميركي والعاهل الأردني؛ حضر السؤال الكبير، وهو كيف تشن أميركا، ومعها العرب، حرباً على "داعش"، بينما يجتاح متطرفون ظلاميون يهود، الأقصى ويعربدون، تحت سمع وبصر وتشجيع حكومة تزعم أنها ضد الإرهاب، وتتصرف على النقيض مما تزعمه، على صعيدي الاستيطان وتأجيج الصراع والاستفراد بالشعب الفلسطيني، وذلك كله في السياق الذي يستحث ردود أفعال فلسطينية غاضبة، وأفعال مقاومة لا بد منها؟!

شهدت الأيام القليلة التي سبقت اللقاء نوعاً من التهدئة في لغة نتنياهو، فيما يُعد نوعاً من الخديعة، يمثلها إعلانه المتكرر أن القدس الكبرى "عاصمة أبدية لإسرائيل، ولا نقاش حول أي شيء غير ذلك"، فقد أنكر رئيس حكومة المستوطنين المتطرفين، أن القدس، بما فيها حرم الأقصى، هدف حكومته، وأن كل ما يجري لإحداث وقائع على الأرض يهدف إلى تحقيق هذا الغرض، باعتماد نهج عنصري غير مسبوق في فظاظته، حتى حيال المواطنين العرب الفلسطينيين، الماكثين في أرض الآباء والأجداد.

كان لازماً لنتنياهو استرضاء الأميركيين، وذر الرماد في عيونهم، وفي عيون "المعتدلين" العرب، فركّز على وضع الحرم القدسي، وأعلن أن إسرائيل لا تسعى إلى تغيير الوضع القائم فيه، وكأن الوضع القائم يعطي الفلسطينيين حقهم في العبادة، أو كأن القول إن لا تغيير وشيكاً ينم عن تغيير في السياق.

معظم حكومات الأقطار العربية، التي تشارك، الآن، في التحالف لمحاربة "داعش" واجتثاثها؛ لم تكن في وضع يسمح لها بإقران مشاركتها بخطوات جدية ومؤثرة حيال إسرائيل. فقد سارعت الدول العربية إلى الالتحاق بالقاطرة الأميركية، كأنما هي تدفع عن نفسها تهمة التسبب في ظهور "داعش"، من خلال مجموعة إخفاقات كبرى في التنمية والثقافة والديموقراطية والأمن وغير ذلك. وبالطبع، لم يكن أيُ طرف عربي معنياً بالتوقف، مع الأميركيين والإسرائيليين، أمام خطة نتنياهو المعلنة، لتكريس عدد من قوانين التمييز، وضمنها فرضيات تتعلق بتغييرات ديموغرافية، لانتقال مواطنين عرب إلى الدولة الفلسطينية المفترضة، تراهم حكومة نتنياهو عبئاً عليها. ففي وقت تجري فيه على قدم وساق عمليات انتهاب الأرض، وتضييق مساحة الدولة الفلسطينية الموعودة؛ يستمر التعاطي مع جزء الشعب الفلسطيني الذي بقي في أرضه، باعتباره عبئاً ينبغي التخلص منه، وإحالته إلى "دولة فلسطينية"، يجري، في الوقت نفسه، تقليص حدودها المتوقعة ومنع قيامها.

ويتصل الإعلان الثلاثي المشترك، حصراً، بلحظة محددة، يمثلها التوتر في القدس، ويلبي مؤقتاً المطلب الأميركي بأن تستمر الحرب على "داعش"، في ظروف إقليمية مواتية، لا يكون فيها مساس بمشاعر شعوب المنطقة، على النحو الذي يساعد "داعش" على التمدد، فإذا ما قطعت قوات التحالف معظم المسافة إلى النصر، تُترك الصهيونية لتكملة مهمتها في فلسطين.

للأسف، لا تؤهل الأوضاع الاقتصادية والأمنية في العالم العربي الحكومات لوقفة موضوعية، تتعلق بوجهة استراتيجية للسياسة الأميركية، تكبح جماح إسرائيل التي تحكمها قوى عنصرية، لم تؤمن في لحظة بعملية التسوية، وتفعل كل شيء لكي تجعلها نسياً منسيّاً. فالوضع، الآن، في فلسطين وجوارها، يتطلب رؤية شاملة لاستعادة كرامة الشعوب ورسوخ الأوطان ورُشد الحكومات ودمقرطتها. فقد ثبت للشعوب أن طريق الاعتدال جلاب للمهانة، وأن المحتلين الإسرائيليين الذين يساندهم الأميركيون يقابلون اعتدال الحكومات العربية بمزيد من التطرف والاعتداء، حتى بات الخطر المحدق بالمنطقة لا يقتصر على "داعش" وحدها.

إن انعدام أفق التسوية المتوازنة، وقناعة الفلسطينيين بلا جدوى التهدئة تلو الأخرى، فضلاً عن عدم إقران إعلانات هذه التهدئة بسلوك فعلي "هادئ" على الأرض؛ يكشف قصور السياسات، وعقم المساعي الأميركية، وينذر بانفجار محقق، وخيم العواقب، بحكم أن هذه السياسات لا تفعل شيئاً حيال التأجيج الإسرائيلي للصراع في فلسطين!